مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: جمعية الحمير المصرية!!

0:00

لم يحظَ الحِمارُ يومًا بالتقدير اللازم لمجهوداته رغم أصالته وطيبته، واعتمادنا عليه!! وحرِيٌّ بنا أن نعترفَ أنه يكون دومًا عند حُسن ظن صاحبِه، يقوم بما يُوكَلُ إليه من عملٍ على أكمل وجه، ولا تراه (يَرفُسُ) النِّعمة، بل يتحمل ويصبر إلى أبعد مدى، ومع ذلك فهو عندنا مضرِبُ المثل في الغباء والذِّلةِ والسُّخرة، يقول العربُ في أمثلتهم: (أجهلُ من حِمار) و (أذلُّ من حِمارٍ مُقَيَّد) و (أصبرُ من حِمار) و (لا يأبى الكرامةَ إلا حِمار)!! ولقد لُقِّبَ “مروانُ بن محمد” (72 هـ _ 132هـ) آخرُ خلفاء بني أمية _ تولَّى الخلافة بين عامي (127هـ و 132هـ) بالحِمار؛ وذلك لكثرة المعارك التي خاضها وشدةِ صبرِه في الحرب، فيما اعتَبر البعضُ هذا اللقبَ ذمًّا!!

ونَستخدم _ نحن المصريين _ لفظةَ الحِمار في السَّبِّ واللعنِ والسُّخريةِ والدُّعابة، وقد سُجِّل منظرٌ _ وُصِف بالطريف _ لدى قدماءِ المصريين على أحدِ جُدران معبد حتشبسوت بالدير البحري بالأقصر، (حُفِظَ فيما بعد بالمُتحف المصري بالقاهرة)، فقد مَثَّلوا ملكة “بونت” (اختُلِف في تحديد موقعها الآن بين قائل إنها أثيوبيا أو جنوب السودان أو غيرهما) وكانت مُفرِطةً في البدانة ووراءها عبيدٌ يحملون الهدايا، وهي قادمةٌ لتقديم فروض الطاعة والولاء لملِكة مصر، وقد رَكِبتْ حِمارًا، وكُتِبَ فوق النقش: (الحِمارُ الذي يَحْمِلُ زوجتَه)!!

أما (جمعيةُ الحَمير المِصرية) فإن مؤسسَها هو الرائدُ المسرحي “زكي طليمات” (1894م _ 1982م)، وذلك بعد إنشائه معهدَ الفنون المسرحية (عام 1930م) بهدف تمصير المسرح، وبعد مرور عامَين أوعز الإنجليز إلى الملك “فؤاد” (1868م _ 1936م) أن المعهد يُمثل خطرًا على حُكمه؛ فالمصريون عندما يتعلمون كتابةَ المسرح سيَخرجون إلى الناس بمسرحيات تُشير إلى الفساد (لاحظ الدورَ الإيجابيَّ للفن)، واقتنع الملك فأصدر قرارًا بإغلاق المعهد، ولم تُفلِحْ محاولاتُ “زكي طليمات” المُضنِية لإعادة فتح المعهد، فهداه تفكيرُه إلى تأسيس جمعية للحمير (1934م) لما يتميز به الحِمار من صبرٍ وطُولِ بال وقوةٍ على التحمُّل، وانضم للجمعيةِ عددٌ من أبرز المفكرين والأدباء والفنانين على طول تاريخها، منهم “شكري راغب” (1907م _ 1983م) الذي عمل مديرًا بدار الأوبرا المصرية، وكان عضوًا مؤسسًا، وبفضل جهود أعضاء الجمعية أُعيد فتحُ معهد الفنون المسرحية.

ومن أبرز من انضم للجمعية “طه حسين” (1889م _ 1973م) و “عباس العقاد” (1889م _ 1964م) والفنانة “نادية لطفي” (1937م _ 2020م) والكاتب الساخر “أحمد رجب” (1928م _ 2014م)، وعند وفاة الفنان الكبير “السيد بدير” (1915م _ 1986م) آخرِ الأعضاء المؤسسين للجمعية، كادت الجمعيةُ أن تُغلِق لولا أن أحياها الدكتور “محمود محفوظ” (1923م _ 2008م) وزيرُ صحة مصر أثناء حرب (أكتوبر 1973م).

ومنذ تأسيس الجمعية وهي تواجه مشكلةً رئيسيةً وأساسية هي عدمُ اعتراف الجهات المسؤولة بها بسبب اسمها الذي اعتبرته غيرَ لائق ويصطدم بالتقاليد، وأصاب الإحباطُ أعضاءَ الجمعية بسبب هذا الموقف، وفقدوا أهمَّ صفاتِ الحمير وهي الصبرُ والتحمُّل!!

ينبغي أن تعلمَ أن الجمعيةَ كان بها نحوُ ثلاثين ألفَ عضوٍ من المصريين يحمِلون ألقابًا عدة، تبدأ بالحرحور أي الجحش الصغير عند بداية انضمام العضو للجمعية، ثم يحصل على رتبةٍ أعلى حسب مجهوده، وقد يظل العضوُ عشرين عامًا دون أن يحصل على لقب (حامل البردعة) أي (حمار كبير)، ولم يحصل على هذا اللقب سوى ثلاثة أعضاء هم (زكي طليمات وشكري راغب والمرسي عبد الهادي خفاجي) والأخير ترأس الجمعية.

والطريف أن “المرسي خفاجي” رئيس جمعية الحمير المصرية التقى في نوڤمبر عام 2008م اللواء مهندس “أحمد زكي عابدين” محافظ كفر الشيخ حينئذٍ، وعرضَ عليه رغبةَ الجمعية فى المساهمة فى علاج مرضى السرطان فى المحافظة من خلال إنشاء مركز علاجي وقد وافق المحافظ على هذا الطلب، وهذا من أنشطة الجمعية، وقد أكد “المرسي” بعدها أنه احتفل بحصوله على لقب (أكبر حِمار فى العالم) _ وله الشرف فى ذلك _ بعد موت “رشدي إسكندر” أقدم المؤسسين لجمعيات الحَمير فى العالم. وقال إنه بعد أن أصبح (حِمارًا دوليًّا) زادت مسؤولياتُه وأصبح يَبذل جُهدًا كبيرًا حتى يمتدَّ نشاطُه لجميعِ الناس فى كل بقاع العالم!!

مَن يُريدُ أن يُحييَ هذه الجمعية؟ وما الأنشطةُ التي سيختارُها لها؟!

زر الذهاب إلى الأعلى