حازم البهواشي يكتب: بيتُ البطل… وشهِدتْ (شَهدان)!!
تعودنا في مصر أن نفخر بأصحاب الإنجازات أو المناصب العُليا ونقول: (دا من بلدنا)!! وبصفتي من محافظة الغربية، فإن فخرَنا دائمٌ بقائدَين عظيمين من أبطال قواتنا المسلحة هما: الفريق أول “عبد المنعم رياض” (22 أكتوبر 1919م _ 9 مارس 1969م) رئيس أركان القوات المسلحة (ابن قرية سبرباي مركز طنطا)، والفريق “سعد الدين الشاذلي” ( 1 أبريل 1922م _ 10 فبراير 2011م) رئيس أركان حرب القوات المسلحة في الفترة بين 16 مايو 1971م و 13 ديسمبر 1973م أي قبل وأثناء حرب أكتوبر (ابن قرية شُبْراتَنَا مركز بسيون).
وقد أسعدني الحظ أن ألتقي السيدة (شهدان) كريمة الفريق “سعد الدين الشاذلي” أثناء إعدادنا لفقرات نذيعها على راديو مصر في ذكرى النصر، بعنوان (من بيت البطل).
ليلةَ اللقاء ذهبتُ بسيارتي إلى العنوان لأتعرف مكان سكنها بمصر الجديدة، فلما جاء الموعدُ ظهرَ اليوم التالي وقابلتُها، قصصتُ عليها ما حدث مني، فردّتْ: ( إيه ده، أنت عسكري بقى!! دا من أهم صفات بابا، طول عمره ملتزم، دائمًا يخطط لكل شيء، لا يترك شيئا للصدفة، بل ويستعد للصدفة!! أذكر أنه كان لديّ امتحان في باب اللوق، ونحن نسكن في مصر الجديدة، سألني: كم يستغرق المشوارُ وقتًا؟
قلتُ: ربما نصف ساعة، _ كيف عرفتِ؟!
_ بالتقريب كده يعني!!
_ لاااا ماينفعش!! وجعلني قبل الامتحان أستقل الأتوبيس حتى باب اللوق وأعود لأحسب الوقت بالضبط!!
وبعدها قال لي: (طيب الوقت كذا، ولكن ربما يحدث حادث في الطريق فتتأخرين!! إذًا لا بد من الاستعداد والخروج مبكرًا مدة كذا تحسبًا لهذا!! الالتزام والتخطيط كانا سمةَ حياتنا العادية في كل شيء).
قالت السيدة (شهدان) كريمةُ مهندس حرب أكتوبر، صاحبِ الوجه الوسيم، والعقل العسكري والنفس التي تأبى الذل: إن تسميته (سعدًا) جاءت تيمنًا بالزعيم (سعد زغلول)، كان هناك حسٌّ وطنيٌّ في العائلة.
الكاتب والأديب جمال الغيطاني ( ٩ مايو ١٩٤٥ : ١٨ أكتوبر ٢٠١٥م ) وكان مراسلًا حربيًّا في حرب أكتوبر ٧٣ يقول: إن الشاذلي لم يكن يترك تفصيلةً، وكان يُعِد كتيباتٍ صغيرة في حجم الإمساكية يذكر فيها كيفية التصرف عند الوقوع في الأسر، عند الجرح، في حالة غارة جوية، ( حتى الغطا بتاع عربيات البنزين كان بِيِدِّي الأمر بتجميع الكُهنة وقفل الغطا…… كان فعلا يُدقق في التفاصيل حتى في حياته اليومية، فلا يترك شيئًا للصدفة )، وتضيف كريمةُ القائد: (حتى رباط الحذاء كان يُدقق فيه، تربطه مرة وبعدها مرة أخرى)!!
_ هل تذمرتُم _ الأم وبناتها الثلاث _ من الحياة العسكرية؟
_ لم نتذمر؛ فوالد أمي كان لواءً في القوات المسلحة، وإخوتها الثلاثة كانوا ضباطًا، ونحن البنات الثلاث تعودنا ذلك، فنحن عائلة عسكرية.
لم يكن “سعد الدين الشاذلي” يعرف الوساطة كما قصت كريمتُه لي، وتذكرُ أن أحدَ أولاد إخوته كان في الجيش، وفي أثناء مروره، وجد منه خطأ فأمر بسَجنه!! إنه لم يتوسط لنا في شيء، كان يقول: (افعل أفضل ما لديك فقط، ليس مطلوبٌ منك أكثرُ من ذلك)!!
قلتُ لها: قائدٌ عسكري من الفلاحين، لديه ثلاث بنات ألم يكن هذا سببًا لمشكلة وأزمةٍ في العائلة خاصةً في ذلك التوقيت؟!
_ حين وُلِدتْ أختي الصغرى، زاد البكاءُ في العائلة، وقال البعض: ( يا عيني يا سعد، ٣ بنات يا سعد )!! فقال لأمي: ( ماتحطيش في بالك، كل بنت من بناتي هتبقى بمية راجل )!! وفعلا كان هذا، واتضح في أزمة طباعة مذكراته، وقد تكفلتُ بالأمر، وقمتُ بنشر الكتاب، وبالمناسبة حينما أعطاني الكتاب كان مكتوبًا بخط يده وبالإنجليزية.
لم نكن نعرف شيئًا عن عمله ولا التحضير لحرب أكتوبر، ولم تتغير أوضاعنا المنزلية باختلاف حجم المسؤولية.
_ هل رأيتِهِ في لحظة ضعف؟
_ كان دائمًا متماسكًا مهما كانت المشكلات، كان يغيب كثيرًا، وفي إحدى المرات كنا نطلب منه شيئًا، فقال: بعد الحرب، فضحكنا؛ إذ لم يكن أحدٌ يُصدق أن هناك حربًا، لا نحن ولا الناس عمومًا!!
وتضيف كريمته: (حين اختير رئيسًا للأركان، كان السادات يقول: هنحارب هنحارب، والشاذلي قال: أيوه مانقدرش ناخد سينا لكن نقدر ناخد ١٢ كيلو متر، ونتوقف، وساعتها نبدأ في التفاوض من مركز قوة بعد تحسين وضعنا، كان هناك تخطيط لذلك).
تقول السيدة (شهدان): (حتى الآن حين يُذكر اسمي يَنظر إليَّ الناس ويُسلمون عليَّ، وما يُشعرني بالفرحة أن يكون هذا من شباب لم يعيشوا هذه الفترةَ أساسًا، لكنهم يعرفون الحكايةَ والقصة).
وتضيف عن القائد: (كزوج وأب هو عسكري، حِنَيِّن، حازم وصارم وعادل جدا، يعرف يطبطب زي مابيعرف يمسك البندقية، ولما توفي في ١٠ فبراير ٢٠١١م ودفن ١١ فبراير أمطرت السماء فاعتبرتُ ذلك رسالةَ خير).
_ أن أمشي في شوارع مصر بسيارتي فتحتضنني لافتاتٌ تحمل اسمَ والدي (محور الفريق سعد الشاذلي)، كيف يكون الشعورُ حينئذٍ؟
_ (أول واحد شاف المحور ده كان ابني، لم نكن نعرف، وكانت لفتة كريمة من الرئيس السيسي الذي يعرف أقدار الرجال، تشعر بالفخر ورجوع الحق والراحة)
_ الرسالة التي تودين من الشباب ونحن في ذكرى نصر أكتوبر أن يتعلموها من حياة “سعد الدين الشاذلي”: أقول لهم: (اقرأوا الكتاب “مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي” لكي يتعلموا التخطيطَ والمسؤوليةَ والالتزامَ وحبَّ الوطن. العملُ من أجل مصلحة الوطن وإعلاءُ هذه المصلحة فوق كل شيء حتى الخلافاتِ الشخصية، درسٌ يُعلمه الفريق الشاذلي للأجيال).