حازم البهواشي يكتب: اِسْـتَـبْـقَـاكَ مَـن عَـاتَـبَـك
عبارةٌ اختصر بها قائلُها ابنُ حزم الأندلسي ( 384 _ 456 هـ ) كثيرًا من العلاقات بين البشر؛ إذ تُعَدُّ طباعُ النفوس البشرية متقلبة، وفي الحياة _ خاصةً بين المعارف والأصدقاء _ تحدُثُ مشكلات، ربما تؤدي إلى قطيعة بين أولئك الذين لا يتغافلون، ولا يعرف العتابُ إلى علاقاتهم سبيلًا!! وكأن الواحدَ منهم كما نقول: ( ما صدّق ) أن يحدث أمرٌ يُنهي به علاقة ربما بداخله لم يكن يريد استمرارها، والحُجَجُ كثيرة للقيام بهذه الخطوة، إلا أن الصديقَ الحق يتغافل ويُعاتب؛ فالعِتابُ للصديق كالسبك للسبيكة، فإما تصفو وإما تطير، _ كما يُضيف ابن حزم في كتابه ( الأخلاق والسير في مداواة النفوس ) _.
ذلك الذي لم يُعاتبك ولم يتبين صِدقَ أو كَذِبَ ما بلغه عنك، لا يستحق أن تُبقيَ عليه، فمَن زهِد فيك اِزهَدْ فيه، ومَن استهان بك، لا يستحق أن تعودَ إلى صحبته إلا إن عاد مُعتذرًا نادمًا، وهيهات أن ينال ثقتَك مرةً أخرى!! فإنه إن كان باقيًا عليك لعاتبك واستوثق!!
مما يذكره ابنُ حزم أيضًا في كتابه، ويُعد نصائحَ غالية في معرفة النفوس والتعامل معها:
_ ما رأينا شيئًا فسدَ فعاد إلى صحته إلا بعد لَأْي ( الْلَأْي يعني الشدة والجهد والمشقة ).
_ لو علِمَ الناقصُ نقصَه كان كاملًا.
_ إذا نام المَرءُ، خَرَجَ عن الدنيا، ونسِيَ كُلَّ سرورٍ وحُزن، فلو رتّبَ نفسَه في يقظتِه على ذلك أيضًا لسَعِدَ السعادةَ التامة.
_ مَن طَلَبَ الفضائلَ لم يُسايرْ إلا أهلَها.
_ اثنتان عظُمت راحتُهما: أحدُهما في غاية الحمد، والآخرُ في غاية الذم، وهما مُطْرِحُ الدنيا، ومُطْرِحُ الحياء.
_ لا يخلو مخلوقٌ من عيب، فالسعيد مَن قلّتْ عيوبُه ودقّتْ.
_ كلُّ أملٍ ظفِرتَ به فعُقباه حُزن، إما بذهابِه عنك، وإما بذهابِك عنه، إلا العمل لله عز وجل، فعُقباهُ سرورٌ في عاجلٍ وآجل، أمّا في العاجل فقِلَّةُ الهَمِّ بما يَهتمُّ به الناس، وأمّا في الآجل فالجنة.