مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: إلى رَبَّاتِ البيوت

أما العنوان فيُذكرنا بالبرنامج الشهير على (إذاعة البرنامج العام)، والذي نَعِمْنَا جميعًا فيه _ وليس ربات البيوت فقط _ بصوتِ ونصائحِ الإذاعيةِ القديرة أم الإذاعيين “صفية المهندس” (1922م _ 2007م)، وما أحوجَ البيوتَ وربَّاتِها، وما أحوجَنا جميعًا إلى معرفةِ تجاربِ الآخرين لنُصَحِّحَ مِن مسارِنا في الحياةِ أولًا بأول. أمَا ونحن على بُعْدِ ساعاتٍ من شهر رمضان الكريم، فإن النصيحةَ الأهمَّ للجميع ما قاله الشاعرُ الساخرُ المُبدع (مهندس/ ياسر قطامش):
ليس الصيامُ صيامَ الجُوعِ والعَطَشِ // فَصُمْ بِصِدْقٍ ولا تَلْجَأْ إلى البَكَشِ!!
ولعله يُلَخِّصُ في هذا البيت حقيقةَ الصيام، وقد جاء من وحي حديثِ رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _: (مَن لمْ يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِه فليسَ لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامَه وشرابَه)، وهو ما يؤكدُ أن الصيامَ الحقيقيَّ ليس فقط امتناعًا عن الطعام والشراب، بل إن إمساكَ المرءِ عن الطعام والشراب أمرٌ سهلٌ على كثيرين، قياسًا بإمساكِ اللسان.

ولما كانت البيوتُ هي لَبِنَاتِ المجتمع، فإن في هدمِها انهيارًا له، ولما كانت ربَّاتُها أساسَها فهن من يُسيِّرنَ الدَّفَّة، ومن (البكش والضحك على الدقون) أن نظُنَّ أن البيوتَ بدونِهن لها طعمٌ ومَذاق، إنهن المؤنساتُ الغاليات. يقول “الألوسي” (1802م _ 1854م) في (رُوح المعاني): (… حيث إن المعهودَ من ذوي المروءة جبرُ قلوب الإناث لضعفهن؛ ولذا يُندَبُ للرجل إذا أعطى شيئًا لولده أن يبدأ بأُنثاهم…). وفي ظِلِّ ظروفٍ ماديةٍ صعبة، طفتِ المشكلاتُ وطغتْ، وهددتِ البيوتَ بالهدم؛ فمِعْوَلُها لا يُخطئ إذا صادف عُقولًا لا تعرفُ للتغافُلِ سبيلًا!! فيا رباتِ البيوت، لا تهدِمْن بيتًا لطعامٍ وشراب، أين لحنُ الرضا رخيمًا جميلًا؟! غيرَ أنه من (البكشِ) أيضًا ألا يتذكرَ الميسورُ الناسَ بالخير وألا يُكثِرَ من الصدقات قبل دخولِ رمضان حتى لا يَدخلَ الشهرُ الكريم وهناك مُحتاجٌ حزين، فنبيُّكَ كان أجودَ ما يكون في رمضان. أنت في شهر الخيرات فأكثِرْ من الخيرات، وإذا كان إبليسُ يَرقُصُ طربًا لتشتيتِ الشمل، فلنغتنم فرصةَ أنه مقيدٌ هو وأعوانُه لنجمَعَ الشمل، وإذا كان يَفرحُ بالخِصام فعلينا بالوئام.

يا (سِت البيت) كوني مُدبرةً _ وأنتِ لها تستطيعينها _، فلا تقلبي بيتكِ جحيمًا لنواقص، وابتعدي عن المكابرةِ والجفاءِ والنِّدِّيَّة، وأعطِي الرجلَ ولو بـ (رُبع جنيه) حِنيّة!! ( أحسن من مافيش، وحسنة قليلة تمنع بلاوي كتيرة)!! زِمَامُ التغيير بيدِكِ، فاغتنمي رياحَ الشهر لإحداثِ التغيير المطلوب.

تحكي القصةُ الرمزية أن امرأةً ذهبتْ لعالِمٍ تَظُنُّه ساحرًا، وطلبتْ منه أن يَعملَ لها عَمَلًا ليُحبَّها زوجُها ولا ينشغلَ بغيرِها، فقال لها العالِم: هذا أمرٌ ليس سهلًا، فهل أنتِ مستعدةٌ لتحمُّلِ التكاليف؟! قالت: نعم، فقال: لا بد أن تُحْضِري شَعرةً من رقبةِ الأسد!! قالت: كيف أستطيعُ ذلك؟! ألا تُوجدُ طريقةٌ أسهلُ وأكثرُ أمنًا؟! قال: لا، وإذا فكرتِ ستجدين الطريقةَ المناسبةَ لتحقيق الهدف. فكَّرَتِ المرأةُ واستشارتْ، فقيل لها: إن الأسدَ لا يَفترسُ إلا إذا جَاع، وعليها أن تُشبِعَه حتى تأمنَ شَرَّه!! أخذتْ بالنصيحة وذهبتْ إلى الغابة، وبدأتْ ترمي للأسد قِطَعَ اللحم، واستمرتْ على ذلك إلى أن ألِفَهَا الأسدُ وألِفَتْهُ، حتى جاءَ اليومُ الذي تمدَّدَ الأسدُ فيه بجانبها وهو لا يَشُكُّ في محبتِها له، فوضعتْ يدَها على رأسِه وأخذتْ تمسحُ بها على شَعْرِه ورقبتِه بكل حنان، وبينما الأسدُ في هذا الاسترخاء لم يكن من الصعب أن تأخذَ المرأةُ الشَّعرةَ بكل هدوء! وأسرعتْ إلى العالِم _ الذي تظنه ساحرًا _ لِتُعْطِيَه إياها، والفرحةُ تملأ نفسَها بأنها ستتربعُ _ إلى الأبد _ على قلب زوجِها. فلما رأى العالِمُ الشَّعرةَ، سألها: ماذا فعلتِ حتى استطعتِ أن تحصلي عليها؟! فشرحتْ له الخُطةَ التي تلخصتْ في معرفةِ المدخل لقلب الأسد أولًا، ثم الاستمرارِ والصبرِ على ذلك إلى أن يَحينَ وقتُ قطفِ الثمرة. حينها قال لها العالِم: زوجُكِ ليس أكثرَ شراسةً من الأسد!! افعلي مع زوجِكِ مثلَ ما فعلتِ مع الأسد تملكيه، تَعَرَّفي على المدخلِ إلى قَلْبِه تأسِريه، فالزوجُ مهما كان شرِسًا لن يكونَ أشرسَ من الأسد!!
رمضان كريم يا ربات البيوت.

زر الذهاب إلى الأعلى