تكريم المستشار عبد المجيد محمود يعكس حرص «السيسي» على تقدير شيوخ القضاة ورموزهم
بوابة مصر الآن
جاء قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تم إعلانه في وقت سابق من اليوم، بتكريم المستشار الدكتور عبد المجيد محمود النائب العام الأسبق وأحد كبار شيوخ القضاء المصري، عبر إطلاق أسمه على أحد المحاور المرورية الرئيسية الجاري تنفيذها بالقاهرة، ليؤكد حرص القيادة السياسية على إظهار التقدير اللازم لرموز مصر في مختلف المجالات، وإيمانها بدور القضاة الذي يؤدون رسالة سامية نحو تحقيق العدالة.
ولم تكن هذه البادرة هي الأولى، إذ سبق وأن وجّه الرئيس السيسي بإطلاق أسماء عدد من شيوخ قضاة مصر وكبار رجالاتهم، على ميادين وجسور رئيسية، ومن بينهم وزير العدل الأسبق المستشار الراحل ممدوح مرعي وكذا النائب العام الراحل المستشار هشام بركات، عرفانا لعطائهم الكبير في خدمة العدالة والوطن، فضلا عن قرار الرئيس السيسي باعتبار أول شهر أكتوبر من كل عام “يوما للقضاء المصري” وتصريحاته المتكررة في مناسبات عدة والتي يحرص فيها على إبداء التقدير والتوقير الكبيرين لقضاة مصر.
غير أن تكريم المستشار الدكتور عبد المجيد محمود، يكتسب أهمية وخصوصية كبيرة، باعتبار أن النائب العام الأسبق كان موضع استهداف كبير وشرس من قبل جماعة الإخوان الإرهابية والتنظيمات الإرهابية المتحالفة معها، بُعيد أيام قليلة من اندلاع ثورة 25 يناير 2011، حيث توالت محاولات التشويه ونسج الروايات الكاذبة والاغتيال المعنوي التي كانت تقودها الجماعة الإرهابية ضد النائب العام في ذلك الوقت، انتقاما منه كونه كان المحقق الأكثر خبرة ودراية بقضايا الإرهاب والجريمة المنظمة وتعقيداتها طيلة أكثر من 40 عاما.
كما جاء استهداف جماعة الإخوان الإرهابية خلال عام 2012 لشخص المستشار عبد المجيد محمود ومن ثم عزله من منصبه بالمخالفة للدستور والقانون، ليتقاطع مع مخططهم للهيمنة على القضاء وتطويع القضاة خدمة لأغراض الجماعة، والعمل على وضع الأشخاص الموالين لهم في المواقع والمناصب القضائية المهمة، وهو المخطط الذي تصدى له المستشار عبد المجيد محمود بإصراره على المواجهة القانونية داخل المحاكم، إلى جانب الرفض العارم لقضاة مصر والانتفاضة الشرسة التي قادها نادي القضاة برئاسة المستشار أحمد الزند في ذلك الوقت، دفاعا عن استقلال القضاء ورفضا لمحاولات التدخل في شئونه من قبل جماعة الإخوان الإرهابية والرئيس الأسبق محمد مرسي.
ويعد المستشار الدكتور عبد المجيد محمود أحد أبرز رجالات القضاء المصري ممن شغلوا منصب نائب عموم مصر، ومشهود له في الوسط القضائي بالكفاءة العالية وحُسن التصرف وإعلاء قيمة العدالة فوق كل اعتبار، خاصة خلال فترة عمله نائبا عاما اعتبارا من عام 2006 وحتى نوفمبر 2012 .
وأصدر الرئيس الأسبق محمد مرسي في 22 نوفمبر 2012 قرارا في صورة “إعلان دستوري” بعزل المستشار عبد المجيد محمود بشكل خاص بغية التخلص منه، وذلك بناء على تعليمات من قيادة جماعة الإخوان الإرهابية، بعد أن سبقتها بشهر واحد فقط محاولة فاشلة لإقصائه من المنصب عن طريق تعيينه سفيرا لمصر لدى الفاتيكان رغما عن إرادته.
وأمضى المستشار عبد المجيد محمود معظم تاريخه القضائي في العمل بالنيابة العامة وتدرج في مناصبها المختلفة، حيث عمل بكافة المواقع ذات الأهمية القصوى بالنيابة، كمحام عام في عدد من النيابات، وفي مقدمتها نيابة استئناف القاهرة ونيابة أمن الدولة العليا لفترة طويلة تولى خلالها التحقيق والمرافعة أمام المحاكم في العديد من القضايا الكبرى التي شهدتها مصر، وعلى رأسها قضايا الإرهاب والعنف التي شهدتها مصر خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ثم العمل بإدارة التفتيش القضائي بالنيابة العامة، ثم نائبا عاما مساعدا.
ومن أبرز القضايا التي تولى التحقيق والمرافعة فيها المستشار عبد المجيد محمود، قضية الجهاد الكبرى عام 1981 التي ضمت 302 متهم ممن شاركوا في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وما تلاها من تحقيقات وقضايا تتعلق بأحداث اقتحام مديريتي أمن أسيوط والمنيا بصعيد مصر، وقضية “تنظيم ثورة مصر” الذي كان يضطلع أعضاؤه باغتيال الإسرائيليين المتواجدين على أرض مصر، وتزعمه محمود نور الدين، وقضية “تنظيم الناجون من النار” التي شارك المتهمون فيها في محاولة اغتيال الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق ووزيري الداخلية السابقين النبوي إسماعيل وحسن أبو باشا، وقضية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق، وكذلك العديد من قضايا التخابر التي كانت تستهدف الإضرار بالأمن القومي المصري، إلى جانب العديد من قضايا الإرهاب والعنف والتطرف، وقضايا الرشوة والاتجار بالاثار وغيرها.
ونال المستشار عبد المجيد محمود درجة الدكتوراه في موضوع (المواجهة الجنائية للفساد في ضوء الاتفاقيات الدولية والتشريع المصري) من كلية الحقوق بجامعة عين شمس بدرجة ( جيد جدا مع مرتبة الشرف).
وفي أعقاب ثورة 25 يناير 2011، أصدر المستشار عبد المجيد محمود قرارات عدة بحبس الرئيس الأسبق حسني مبارك وأفراد أسرته ورموز نظامه من كبار رجال الدولة وقتئذ، والتحفظ على أموالهم وممتلكاتهم ومنعهم من مغادرة البلاد، في ضوء ما كشفت عنه تحقيقات النيابة العامة في الوقائع والبلاغات العديدة التي تلقتها خلال الأيام الأولى للثورة، وأمر في ختام تلك التحقيقات معهم بإحالتهم للمحاكمات الجنائية.
وحصل المستشار عبد المجيد محمود على حكم قضائي من دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة، أيدته لاحقا محكمة النقض بتاريخ 2 يوليو 2013 ليصبح باتا ونهائيا، بعودته إلى منصبه نائبا لعموم مصر وبطلان قرار محمد مرسي بعزله من منصبه، باعتبار أن القرار جاء مخالفا لأحكام الدستور والقانون الذي يمنع عزل النائب العام من منصبه، وأن هذا القرار بالعزل جاء ليمثل عدوانا على السلطة القضائية وتدخلا سافرا في شئون العدالة.
وفي موازاة المعركة القانونية التي خاضها المستشار عبد المجيد محمود دفاعا عن استقلال منصب النائب العام، انتفض قضاة مصر في جمعيات عمومية متتالية لرفض قرار عزله من منصبه، واحتشد قرابة 10 آلاف قاض وعضو نيابة عامة، في جمعية عمومية غير مسبوقة دعا إليها المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة في ذلك الوقت لإعلان رفضهم لقرار العزل الذي يخالف الدستور والقانون.
وآثر المستشار عبد المجيد محمود ترك منصبه كنائب عام والعودة إلى منصة القضاء في 9 يوليو 2013، وذلك بعد أيام قليلة من عودته إلى منصبه نفاذا للأحكام القضائية التي صدرت لصالحه ببطلان عزله، حتى لا يتذرع أحد من المتهمين في قضايا العنف والإرهاب المتعددة التي أعقبت ثورة 30 يونيو 2013 – وفي مقدمتهم قيادات جماعة الإخوان الإرهابية – بأن هناك سابقة خصومة بينهم وبين النائب العام تحول دون مباشرة تلك القضايا، حيث عمل مشرفا على المكتب الفني لمحكمة استئناف القاهرة.
وأُعير المستشار عبد المجيد محمود لاحقا، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، للعمل مستشارا بمحكمة النقض بإمارة أبو ظبي، والتي تعد أعلى مؤسسة قضائية بعاصمة البلاد.