بحلول الربيع، يفوح عطر النارنج في مدن “الوطن القبلي” شمال شرقي تونس المشهورة ببساتين البرتقال والنارنج، حيث يبدأ بموسم تقطير الأزهار لتنبعث روائحها الفواحة من بيوت محافظة نابل التي تزدان أرففها بقوارير ماء زهرة النارنج الذي تخدمه ربات المنازل لمنح نكهة مميزة لأصناف من الحلويات والمشروبات.
تبدأ قصة تحويل زهور النارنج إلى ماء عطر وبفوائد صحية مع موسم جني الزهور البيضاء في شهر أبريل حيث يتم قطفها بعناية فائقة في ساعات الصباح الأولى، ثم تقطيرها بوسائل تقليدية.
كيف يتم تقطير زهور النارنج؟
يعد تقطير الزهور هو من أشهر الحرف التقليدية في المنطقة التي تنتعش بشكل موسمي موفرة مورد رزق للكثير من العائلات، وحركة تجارية في مناطق نابل وبني خيار والحمامات ودار شعبان، وقد يحالف الحظ بعض منتجي زهور النارنج باستخلاص زيتها الخالص المعروف باسم “النيرولي”، وتصديره إلى الدول الأوروبية حيث يتحول إلى مادة خام لأفخم العطور الباريسية.
أصل النارنج
رانية منصور المختصة في تثمين الموروث الغذائي لمدينة نابل تقول:
زهرة النارنج قدمت إلى تونس من الأندلس، ووجدت مزارعها قرب البحر شمال شرقي تونس مقاما طيبا حتى أثمرت زهورا بجودة عالية وعالمية يتنافس في الحصول عليها مصنعي العطور عبر العالم، وساهمت في توفير مورد رزق لأكثر من 3500 عائلة في المنطقة.
استخراج ماء زهر فواح “يتطلب الحفاظ على الطريقة التقليدية في التقطير باستعمال أوان من النحاس والفخار ومواد أولية طبيعية “.
نستعمل ماء الزهر في كل الأطباق وخاصة أطباق المناسبات السعيدة مثل طبق كسكسي باللحم وأطباق السمك والحلويات، إنه يمثل رائحة الفرحة بالنسبة لعائلتنا.
تعد حرفة تقطير الزهر الأكثر شهرة في مدن الشمال الشرقي حيث يحافظ على تمريرها الرجال والنساء الذين يعيشون من بيع الماء العطر الذي يبلغ سعر اللتر منه 20 دينار أي ما يعادل 7 دولارات.
تدر هذه الحرفة مداخيل هامة على آلاف العائلات التونسية في المنطقة، وتنتعش مداخيلهم سنويا في موسم الربيع بحلول ماء “الزهر” الذي تنسب تسميته في اللهجة المحلية للإشارة إلى الحظ والتفاؤل.