اللواء مروان مصطفى يكتب : همسة عتاب مصرية للأشقاء الفلسطينيين
تصاعدت مؤخراً موجة الهجوم وتوجيه الانتقادات والشتائم من الأخوة الفلسطينيين لمصر وشعبها بدعاوي وأكاذيب مختلفة ومختلقة .. ففي مره يعيبون علي نوعيه البسكويت الذي ترسله لهم الامم المتحدة واتهموا مصر بأرساله ، ومرة يتهمونها بمشاركة اسرائيل في حصارها بغلق معبر رفح لمنع المساعدات ومرات كثيرة باستفزاز الشعب المصري وجيشه بالثورة علي حكومته واقتحام الحدود ودخول غزه بالقوة ، ومرة أخرى يتهمون جيشنا بالخوف من الجيش الاسرائيلي…وتحملنا كل هذا ، وابتلعناه وعذرناهم بسبب حساسية الموقف والتوقيت ، والحصار وجرائم الابادة والتدمير التي يتعرضون لها .
وكمواطن مصري تحكمت في مشاعر غضبي واخفيتها ، وتحاشيت الحديث عنها بالرغم من تزايد تلك الحملة بصورة مقيتة وغير مقبولة.. وطبعاً كانت فرصة للكوادر الاخوانية الهاربة وأنصارهم لركوب تلك الموجة ، واستغلها أيضاً بعض الكارهين والحاقدين والمفرج عنهم من السجون ممن فضحتهم ثوره يونيو وقطعت مصادر تمويلهم و سبوباتهم الخارجية .
وحتي بعد ما بنينا معسكر الخيام الكبير في رفح الفلسطينية ووصلنا له مواسير الماء العذب النظيف برضه اتشتمنا … وكانت الطامة الكبرى عندما قرأنا عن مطالبه بعض الفلسطينيين من الحكومة الدانماركية التي انضمت الي القضية التي رفعتها جنوب افريقيا أمام محكمة العدل الدولية وطالبوها بادخال مصر في عريض دعواها وتوجيه الاتهام لها بالاشتراك مع اسرائيل في فرض الحصار المفروض على غزة لاغلاقها معبر رفح البري أمام المساعدات الانسانية والطبية والغذائية .
وهنا فاض الكيل وخرجت كل مشاعر الغضب المكبوتة .. من تلك التجاوزات والاساءات التي يروجونها ضد مصر التي قدمت آلاف الشهداء من اغلي أبنائها لنصره الشعب الفلسطيني ، واستعادة أراضيه المحتلة ، وهي التي رفعت العلم الفلسطيني أمام العلم الاسرائيلي لأول مرة رغماً عن الاعتراضات الاسرائيلية الشديدة في ( مؤتمر مينا هاوس بالقاهرة) حيث أجبرهم (الرئيس السادات رحمه الله ) علي الموافقة علي حضور وفداً فلسطينياً للتفاوض ( في اطارالانتصارالعسكري المصري في اكتوبر) بما يمكنهم من استعاده ما تم احتلاله من اراضي في ذلك الوقت .. ولكن كالعادة المتأصلة في تضييع فرص الوصول لأي حل للقضية الفلسطينية..رفضوا الحضور والمشاركة فيه (لأسباب تعرفونها جميعاً، ولا داعي للخوض فيها ) وتعمد الرئيس الراحل ابقاء مقاعدهم شاغرة خلال المفاوضات وهو ما أضاع الفرصة الانسب لاسترجاع الجزء الأكبر من أراضيهم المحتلة والتي تحولت بعد ذلك الي مستوطنات إسرائيلية ، وكالمعتاد دائماً ..شتموا مصر واتهموا رئيسها الراحل بالخيانة والعمالة وبيع القضية الفلسطينية .. وشوفوا اللي وصلت له القضية منذ أيامها حتي الآن ، وبعدما استشهد الآلاف من الفلسطينيين ، واحتلت اسرائيل أغلب الارض الباقية ، وتاهت القضية في الدهاليز الدولية .
وفي اطار العتاب الأخوي بين الأشقاء أهمس في آذانهم وأقول لهم ..انتم فاهمين غلط علشان مصر مش هي السبب في المجازر الدموية والتدمير الوحشي اللي بيحصل لكم ، وهي لم تخطط للحرب ولم تبدأها، ومش هي الي تركتكم وحدكم فوق الارض تتحملون أوزارها وتدفعون أثمانها الفادحة من دمائكم ، وهي مثلكم تماما لم تعلم بهذه الحرب المدمرة ولا تعلم بدوافعها الحقيقية.. والله وحده أعلم باجنداتها الخفية .وكمان شعبها زيكم تماما بيدفع تمن غالي للحرب دي .
يا اخونا الأفاضل .. صحيح ما ننكرش أن مصر هي اللي أعادت اعمار غزة وبناء مساكنها ومبانيها اللي تهدمت في المرة الأخيرة لكنها مش هي المسئولة عن عدم بناء ملاجئ أو خنادق لحمايتكم من القصف الجوي ، ولا علاقة لها بعدم القيام بتخزين احتياجات احتياطية كافية من الغذاء والماء والدواء والوقود قبل بداية الحرب وهي من ابجديات الترتيبات السابقة للدخول في الحروب.
لقد كان من الواجب عليكم أن تسائلوا وتطالبوا قيادتكم ، ومقاوميكم أولاً عن مسئولياتهم الواجبة لتوفير الحماية اللازمة للنساء والاطفال الأبرياء والمدنيين العزل من ويلات الحرب قبل أن تحملوها للأخرين، وبدلاً من توجيه الاهانات والشتائم لأشقائكم المصريين … نحن لا ننكر أن المقاومة الفلسطينية تمكنت بشجاعة من توجيه صفعة قويه حطمت غرور اسرائيل ، وأسقطت اسطورة جيشها وهزمتها سياسياً ومعنوياً.. ولكنها لم تقدر مدي فداحة النتائج والتداعيات الوحشية المتوقعة .. مما أسفر عنه تلك الخسائر البشرية والتدميرية الحالية والمستقبلية الفظيعة ، وبالتأكيد لا تتحمل مصر اوزارها.
أن شعب مصر وجيشها وشرطتها بذلوا جهوداً مضاعفة لكي يتجاوزوا الأحداث الدموية والجرائم المؤسفة التي ارتكبت، والتصريحات المهينة التي أطلقت في حق مصر وشعبها ،والاعتداءات التي وقعت علي معبرها وحراس حدودها وعلي اسوار سجونها ..وهي وقائع أليمة وذكريات محزنة يصعب نسيانها .
ولكن المصريون تجاوزوا كل ذلك وتناسوه وسارعوا ووفروا من أقواتهم كل احتياجاتكم الضرورية المطلوبة تحملوا كل صعوبات ورذائل ومعوقات العدو الفاجر لإدخال المساعدات وتوصيلها .. كما أفشلت مصر المخطط ورفضت كل الاغراءات المادية ، والمكاسب السياسية التي عرضت عليها لتصفية القضية الفلسطينية.. وتحملت ومازالت تتحمل لضغوطات وتهديدات تزداد شدتها وخطورتها يوماً بعد يوم .
لقد اثبتت تلك الحرب أن مصر هي الهدف الرئيسي للمخطط الدولي الذي تم اعداده مسبقاً للتصفية النهائية للقضية علي حساب مصر لتهجير الفلسطينيين قسرياً أو طوعياً لأراضيها ، وهو ما أكده الاسرائيليين ،وما لم يمانع في قبوله أحد كبار قيادات حماس خلال تصريحاته العلنية.. وهو ما دعا الرئيس السيسي لوضع خطاً أحمر فاصلاً لا يجوز تجاوزه في هذا الشأن .
أن مصر انطلاقا ً من مسئوليتها التاريخية ودورها الرائد ستظل دوماً تقدم المزيد من الدعم والمساندة للفلسطينيين لاستعادة حقوقهم المغتصبة علي كافة المحاور السياسية والإنسانية في حدود إمكاناتها ، وبما يتفق مع مصالحها ، ودون المساس بسيادتها.
لواء / مروان مصطفى المدير الأسبق للمكتب العربي للإعلام الامني بمجلس وزراء الداخليه العرب