مقالات الرأى

اللواء مروان مصطفى يكتب : لقد حان الوقت لمراجعة سياستنا الخارجية

0:00

لقد كشفت لنا حرب غزة وتوابعها وتهديداتها حقيقية المشاعر الدفينة ومتانة الروابط والعلاقات والمواقف السياسية الحقيقية ومدي ضعف العلاقات وفتور الروابط التي تربط بين مصر وجيرانها واشقائها وأصدقائها وحتي من نعتبرهم حلفائها الخارجيين… لقد رأينا جفاء بعضهم ، وفتور البعض الآخر وتباعدهم ، وسمعنا نباح صغارهم ..ورأينا تطاولهم علينا وشماتتهم فينا ، وشعرنا بتمنياتهم لسقوط مصر وانزلاقها في حرب ضروس يعلم الله وحده مداها ومنتهاها لقد سقط الكثير من الاقنعة الزائفة… تهاوت الشعارات الوحدوية والاخوية الواهية .. وواثبتت الحرب زيف الروابط التي تربطهم مع الشقيقة الكبرى مصر.
لقد قدمت مصر علي مر التاريخ الكثير لأشقائها السودانيين ، وتحملت الكثير في سبيل استقرار السودان وامنه ، وتآخت وتكاملت معه ، وتتصدي معه لأزمة سد النهضة ، وفتحت كل ابوابها لاستضافة الأشقاء الفارين من حربها رغم كل ضغوطاتها و التهديدات والاستفزازات القائمة علي حدودها … وحتي وهي في قمة ضغوطها لم تنسي السودان وقامت بعقد مؤتمراً حاشداً جمعت فيه كل القوي السياسية المؤثرة للوصول لحلول توافقية لإيقاف الحرب والدماروالخراب .
ومع هذا كله .. وفي صباح اليوم التالي مباشرة .. فؤجئنا جميعاً بالزيارة التي قام بها رئيس وزراء اثيوبيا للسودان .. وتعجبنا اكثر بالحفاوة الاستعراضية للاستقبال التي قابله بها عبد الفتاح البرهان .. وفيض المشاعر والحميمية التي احاط بها ضيفه وجعلته يقود السيارة بنفسها خلال الزيارة التي احاطوها بسياج كثيف من السرية التامة.
وشعرت بالانزعاج الشديد من الانقلاب الحاد في مواقف القيادة السودانية وتسألت هل هذا هو البرهان الذي سبق وان اعتبر (آبي احمد) خصماً سياسياً للسودان ، وداعماً ومناصراً لقوات الدعم السريع التي تنتهك أعراض السودانيين.. بعدما قامت اثيوبيا بدعوة خصمه الشرس (حميدتي) لزيارة اثيوبيا والقي فيها مع ( آبي احمد) الذي ادلي بتصريحات مسيئة للبرهان وللجيش السوداني، واعتبره غير مؤهل لحكم السودان .. وطالب المجتمع الدولي بفرض حظر طيران علي الجيش السوداني لضمان عدم اعتداءه علي المدن والقرى السودانية التي يسيطر عليها الدعم السريع .
لقد نسي البرهان أو تناسي ان الجيش الاثيوبي قد استغل اوضاع السودانية المؤسفة ، وقام في الاسبوع الماضي بأعاده احتلال اكثر من ٥٠ كيلومتر من اراضي اقليم الفشقة السوداني .. وهو اراضي سودانية احتلتها اثيوبيا واقامت عليه سد النهضة .. ضاربة عرض الحائط بكل مصالح مصروالسودان ..الذي يعود للمرة الثانية للارتماء في الاحضان الأثيوبية .
والشيء بالشيء يذكر… فالعالم كله يشهد أيضاً علي حجم الدعم السياسي التي قدمته مصر لأشقائها اللبيين ، وللمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي في مواجهاته العسكرية مع ميليشيات حكومة الوفاق والاخوان المسلمين والذي اضطر مصر لحشد جيشها علي الحدود الليبية ..وكانت علي ابواب مواجهة عسكرية خطيرة مع تركيا بسبب تدخلها لدعم حكومة الوفاق الوطني .. كما قدمت ووفرت وساندت بأساليب كثيرة لا يجوز ذكرها .
بعد كل ذلك وجدنا الجنرال الكبير يرسل نجله الاكبر( الصديق حفتر) للسودان في أبريل من العام الماضي( بدعوة مريبة من نادي المريخ الرياضي) للالتقاء (بحميدتي قائد قوات الدعم السريع )حيث بدأ بعد اللقاء ارسال شحنات كبيرة من الذخيرة والوقود تنقل جواً من القواعد الجوية الجنوبية الي افريقيا الوسطى ليتم نقلها بعد ذلك بالسيارات عبر الحدود للأراضي السودانية لتتسلمها قوات الدعم السريع لتحارب بها الجيش السوداني .
لقد شاهدنا بأنفسنا ابتعاد أشقائنا وتجاهلهم لنا في ازماتنا .. حتي قبرص واليونان اللتان ساندناهم في مواجهة تركيا ، وشاركناهم في آلية تصدير الغاز لأوروبا اعتذرا (أو طلب منهما الاعتذار) عن مساعداتنا في ازمة الغاز.. وحتي أصدقاءنا الكبار كان صوتهم خافتا وخجولا ولم نر منهم موقفا دولياً حاسماً .. ناهيك عن اللاجئين والهاربين من بلادهم الذين استضافتهم مصر ..فقد تطاولوا عليها ، وتجاوزوا في حقها وحق شعبها بعدما شعروا بكرم الدولة وحنانها وتراخيها وتهاونها فيما يمس سمعتها وكرامة شعبها .
من المعروف ان السياسة مصالح لا تحكمها ثوابت أو اخلاقيات وان لكل دولة الحرية الكاملة في تحديد سياساتها وارتباطاتها وتحركاتها الخارجية.
لكن الامر يختلف تماماً عندنا في مصر.. فمازلنا ملتزمين بالمبادئ والشعارات الواهية ، وتحكمنا قيم النزاهة، ومازالنا نختبئ وراء قواعد الصبر الاستراتيجي في اغلب مشاكلنا وموقفنا الدولية ، ولم ندرك حتي الآن أن الامور قد تغيرت وان لغة المصالح هي التي تسود ، وان العالم لا يحترم سوي القوي صاحب الصوت المسموع ،وان القيم والمبادئ شعارات عفا عليها الزمن ..وتستخدم فقط لابتزاز الضعيف واخضاعه.
لقد آن الاوان ونحن نبدأ مرحلة جديدة ان نتوقف لمراجعة وتقييم سياساتنا وتقويمها في ضوء المستجدات والمواقف الدولية الجديدة .. لنعيد الامور الي نصابها ، ولنستعيد روابطنا المتينة مع أشقائنا المخلصين وأصدقاءنا الأوفياء ونعالج أسباب فتورهم وتباعدهم ..ولكى نتعامل مع المغرضين والخائنين بما يناسبهم ونردعلي استفزازاتهم بلغة دبلوماسية قويه وحاسمة بعيدة عن العبارات الناعمة المبهمة ،ولكي تعود المكانة المصرية ..علينا ان نشعرهم بقوتنا وقدراتنا على استخدام أنيابنا ومخالبنا الحادة في اي وقت اذا ما تطلب الامر ذلك .

لواء / مروان مصطفى المدير الأسبق للمكتب العربي للإعلام الامني بمجلس وزراء الداخليه العرب

زر الذهاب إلى الأعلى