مقالات الرأى

اللواء مروان مصطفى يكتب : عفواً ايها الأخوة..لقد بدأ رصيدكم في النفاذ .. !!

لقد سبق أن تحدثنا عن الاساءات والشتائم التي تصدر من كثير من الفلسطينيين في حق مصر وجيشها وقيادتها ..وتجاوزنا مشاعرنا الغاضبة وحاولنا تناسيها وابتلاعها، باعتبار ان التوقيت ليس مناسباً للعتاب أو الحساب في ظل ظروف الحرب الصعبة والاليمة والمحن القاسية التي يتعرضون  لها .
ولكننا اصيبنا بالصدمة والذهول عندما شاهدنا بأعيننا مؤخراً الاعتداءات التي يقوم به الفلسطينيون بالحجارة علي سيارات النقل المحملة بالمساعدات الإنسانية التي تدخل من معبر رفح ، واعتداءاتهم المتواصلة علي السائقين و قيامهم بتحطيم وتكسير تلك الشاحنات في تصرفات جماعية مقصودة ، تمتلئ بمزيج من الاحقاد الدفينه والكراهية غير المبررة ، وغير المفهومة والتي لا يمكن قبولها أو السماح بها .. حتي وان كانت تنفيساً لردود أفعال غاضبة لما تقوم به عناصر حماس من الاستيلاء علي الحمولات واستقطاع كميات كبيرة منها تحت تهديد السلاح ،لإعادة بيعها للمواطنين بأسعار مضاعفة … أوترك القليل الذي قد يتبقى منها لتوزيعها علي المواطنين .
ولأن الذكري تنفع المؤمنين .. فقد رأيت أنه من الواجب والضروري أن نتوقف جميعا لكي نراجع مواقفنا السابقة.. ولننشط ذاكرة من قد يكون نسي أو يتناسي منهم لدورمصر ومواقف شعبها علي مر التاريخ الفلسطيني لكي نتدارك الامور ولنصحح  الأوضاع قبل تفاقمها .
إن مصر التي تلومونها وتسيئون اليها لم تكن أبداً سبباً في احتلال اراضيكم .. ولم تقم ببيعها لليهود ،ولم تتسبب في تهجيركم ونكباتكم المتكررة منذ عام ١٩٤٨ .. ولم تكن هي التي أضاعت كل الفرص السياسية التي أتيحت في السابق لحل القضية أو لاسترجاع اجزاء كبيرة من الأراضي المحتلة بأسباب ومبررات واهية .. بداية من مؤتمر (مينا هاوس) بالقاهره ولذا أطلق العالم عليها قضيه الفرص  الضائعة.. كما أن مصر لم تكن سبباً في الانقلاب الذي حدث علي السلطة الفلسطينية  الشرعية وقتلهم وذبحهم والقائهم من فوق الأسطح ، والخلافات  والصراعات الدائمة بين تنظيماتكم المسلحة وأجنحة مقاومتكم المتعددة .. بغرض الانفراد بالسلطة والاستئثار بها علي حساب الشعب الفلسطيني المغلوب علي أمره .. ولا تنسوا أيضا ان مصر كانت من أكثر من خاض حروبا ومعارك علي مدار تاريخها لمناصرة قضيتكم واستعادة  حقوقكم والتي استشهد  فيها الألاف من أبنائها ، دون ان تتاجر أو ترتزق من ورائها مثلما  فعل الكثيرون .
وقد يكون من الضروري ان نذكركم أن مصر التي تسيئون اليها وتسبون قيادتها ليست هي التي بدأت الحرب التي تدفعون وتورطون جيشها الآن للدخول فيها لحمايتكم .. بعد أن ترككم الاخرين ، وهي مثلكم تماماً لا تعلم خفايا اهداف هذه الحرب أو كواليسها أو خبايا اجنداتها .. 
وليست مصر هي من توجهون اليها غضبتكم العارمةلانها لم تتسبب في المجازر الدموية والتدمير الشامل والحصار الوحشي الذي تتعرضون له .. ولا تلوموا جيشها علي فداحة وفظاعة أعداد الشهداء والمصابين والمفقودين والمعتقلين من أبناءكم ، ولكن لوموا من أشعل نيرانها وتخفي في انفاقها ، وترككم في العراء في مواجهة قاسية مباشرة ، دون أن يوفرالحد الأدنى من الحماية والتأمين اللازم لكم .. في اطار مقولتهم الشهيرة بأن حمايتكم وتأمينكم مسئولية الأمم المتحدة التي تتولى شئون اللاجئين .. 
لقد بذلت مصر جهوداً كبيرة للم الشمل الفلسطيني وتوحيد قراره ، وانهاء العداء والقطيعة  الكبري بين حماس والسلطة الفلسطينية الشرعية وهو ما استغلته اسرائيل عالمياً .. وأوصل الأمور لذلك الوضع المؤسف ..فليس من المعقول ولا المقبول أن يكون هناك تواصلاً وتفاوضاً للجانبين مع اسرائيل .. ويكون هناك قطيعة وعداء دامي بينهما .  
سامحوني .. لقد جاء وقت الحساب بعد أن فشل العتاب وانتهي وقته .. لقد اقتطع الشعب المصري من اقوات ابناؤه في ظل ظروفه الاقتصاديه الصعبة ليوفر لكم أكثر من ٨٠% من مجموع المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية التي ترسل لكم ، واعتبر ذلك فرضاً مقدساً عليه لاعتبارات أخوية وانسانية .. ولكنكم لاتريدونها وترفضوها ، وتحطمون سياراتها ، وتسيئون الينا ، وتعايروننا بها ، ونحن لم نكن نرغب ولم نطلب منكم شكراً أو أمتناناً … ولكننا نرفض ولانقبل منكم أي جحوداّ ونكراناً . 
أن مصر تكاد تكون الدولة الوحيدة الاكثر تأثراً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ً منذ اللحظات الأولي لحربكم هذه .. في نفس الوقت الذي أكتفي فيه أشقاء آخرون لنا ولكم بالاكتفاء بإصدار بعض التصريحات والبيانات السياسية ، وألمح البعض منهم خلالها عن مسئوليتكم عن الحرب ، وشكك في اجندتها ، ودافعوا عن حق اسرائيل في الدفاع عن شعبها … بينما اكتفي آخرون بإرسال المساعدات الانسانية والغذائية والطبية … وانشغل البعض الآخر منهم باحتفالاته الرياضية والغنائية دون مراعاة لمشاعر الحزن والاسي لدماء الشهداء علي أرض غزة … وتجاوز البعض الحدود وتعاونوا وتوحدوا واتفقوا علي كسر حصار الحوثيين علي السفن المتجهة لإسرائيل .. وابتدعوا طريقاً جديداً لإفشال الحصار وكسره وتوصيل البضائع المطلوبة في الوقت الذي كانت تمنع فيه اسرائيل دخول المساعدات  لغزة .. وربما كانوا يهدفون الي السعي لمنافع اقتصادية ، أو إرضاءاً للإدارة الأمريكية ،أوضماناً للتقارب والتطبيع المنشود مع اسرائيل .
والعجيب والملفت للنظر أن أيا من قيادتكم أو سياسيكم أو حتي جهابذة محلليكم لم يقم بتناول هذه التصرفات أو يشيراليها .. ولم يتمكن أي منكم أو من عناصركم في الداخل والخارج أن يوجه سباباً أو انتقاداً أو حتي لوماً أو عتاباً لأي منهم .. وتجاهلتم الامر، واغمضتم أعينكم عنه ..علي عكس ما فعلتموه وتفعلونه معنا من تطاول وتجاوزات واطلاق شائعات وهتافات بذيئة أمام سفاراتنا في الخارج .
لقد تفجرت بداخلنا  مشاعر الغضب مما نشاهده  ونسمعه من الكثير منكم وقد يلومني البعض من القراء لأن التوقيت غير مناسب .. ولكن أرد بأنه قد فاض بنا الكيل من تلك التجاوزات التي لا نسمح بها … لاننا لم ولن ننسي كل ما سبق أن قامت به حماسكم في حق مصر.. من انتهاكات جسيمة علي حدودها ، ومن خلال انفاقها وأدي لاستشهاد الكثير من أبنائها ، والاعتداءات علي اسوار سجونها ، واستخدام السلاح في ميدان تحريرها .
 
اننا نعلم جيداً أن الهدف الأساسي هو توريط مصر وادخالها في الحرب لتوسيعها لانه طوق النجاة الوحيد لقادة الانفاق وأسرهم .. بالإضافة الي فتح المعبر علي مصرعيه والسماح بالدخول لمصرفي اطار الخطة الموضوعة عن طريق تصعيد الامور وتهييج المشاعر المصرية والفلسطينية لإحداث شرارة تدفع الآلاف لاجتياح المعبر، وبما يجبر الجيش المصري علي المواجهة والتصدي لهم وهو ما سيؤدى لخسائر بشرية كبيرة يتم استغلالها اعلامياً ودولياً بما يسبب حرجاً أخلاقياً وانسانيا بالغاً لمصر وهو ما تريده اسرائيل وتسعي اليه لافراغ غزة من كل سكانها أو أغلبهم لتنتهي مشاكل اسرائيل ، وتصفي القضية الفلسطينية للابد.. وهو ما لا يمكن أن تسمح به مصر ابداً . 
كفانا كل ما تحملناه ، وكفانا ما قاسيناه من حروب خضناها ، وكفانا ما فقدناه من دماء ابنائنا الشهداء ، واعتقد أن الوقت قد حان لقيام  مسئولينا بمراجعة مواقفنا علي ضوء مصالحنا وفي اطار كرامتنا الوطنية، والتصدي بكل  الحسم والحزم لأي تجاوزات أو إساءات ، والابتعاد عن النهج الدبلوماسي الناعم المعمول به في معالجة  مثل هذه المهاترات ، وتحذيرهم من غضبة المصريين وتداعيات توفيق مصالحهم الشخصية والاتجار بالقضية علي أعتاب القصور والفنادق الفاخرة التي يقيمون فيها بالخارج علي حساب الكرامة المصرية 
 
وأخيراً أقول للأشقاء الفلسطينيين ” لا داعي لتلك الصغائر التي تؤثر سلباً على تعاطف  الشعب المصري معكم في تلك الظروف الحرجة والتحولات الخطيرة المنتظرة في المستقبل الفلسطيني”..
ً ولا تنسوا ابدأ أنه لولا الخطوط الحمراء التي وضعتها مصر .. كنتم في مرحلة  متقدمة من مراحل خطة التهجير القسري المتفق عليها لتصفية القضية الفلسطينية.

لواء / مروان مصطفى المدير الأسبق للمكتب العربي للإعلام الامني بمجلس وزراء الداخليه العرب.

زر الذهاب إلى الأعلى