السيد خلاف يكتب : حرب الغاز والحرير
لم يكن موقف نتنياهو قبل الحرب وأحداث السابع من أكتوبر بأسابيع في الأمم المتحدة عبثيا حين أمسك بخريطة، وشرح أبعاد خطته لشرق أوسط جديد، ورسم خط أحمر على خريطة للشرق الأوسط، وقال الناس عنه وقتها:ما هذا الخط الأحمر “الغبي” الذي رسمه نتنياهو على الخريطة ؟!
لم تدرك دوائر القرار وقتها أن نتنياهو يخطط ومعه واشنطن لتنفيذ صفقة تعيد رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط ، هذه الخريطة تبدأ بممر اقتصادي يمتد من الهند مرورا بالإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، ومنها إلى الدول الأوربية وأمريكا ،ويكون بديلا عن طريق الحرير يمتد من الصين إلى سوريا إلى البحر المتوسط ،الصينيون يريدون احياؤه لأنه مستقبل الاقتصاد العالمي والتجارة والسياسة.
وحين نعلم أن سوريا وقعت اتفاقا مع العراق لمد خط سكة حديد للقطارات بين البلدين، وأن الرئيس الأسد وقع اتفاقا استراتيجيا مع الصين فإن ذلك يعني أن “طريق الحرير” لديه مدخل إلى البحر المتوسط من خلال ميناء اللاذقية السوري، ليكون خطأ تجاريا بريا وبحريا ،يحبط خطط تل أبيب وواشنطن في السيطرة على منافذ الغاز والبترول والثروة والتجارة بالمنطقة .
ومن غير المقبول أن يتحدث نتنياهو أو أمريكا عن شرق أوسط جديد بمعزل عن البترول والغاز الذي من أجله تحرك واشنطن ومعها الغرب اساطيلها وتشن حروبها، لقد مولت أمريكا انقلاب أوكرانيا في 2014 ، وجاءت بالعميل زيلنسكي،ولم تأت به من أجل الناتو وطموحات التوسع أو محاصرة روسيا فقط، وإنما من أجل منع إمدادات الغاز الروسي عن أوروبا .
وإذا كان ساسة أمريكا ” الديمقراطيين والجمهوريين يعلنوها دوما: ” نحن لا نريد نورد ستريم “خط الغاز الروسي،وقد أعلنها بايدن صراحة خلال فترة حكمه الأولى”لن يكون هنالك نورد ستريم 2 سننهي ذلك “، وبالفعل تم تفجير خطوط نورد ستريم 1 و 2،ودفعت أوكرانيا إلى استفزاز روسيا والدخول في حرب ترتب عليها حظر الغازالروسي إلى أوروبا ، وجعلت روسيا كأنما تطلق النارعلى نفسها!
بهذا حصلت واشنطن على عقد طويل المدى لمد الغازلأوروبا
،و تراجعت عن الاتفاق النووي الإيراني حتى تتمكن من منع إيران بيع الغازوالبترول إلى أوروبا، وبهذا أخرجت روسيا وإيران من أوروبا،لتطرح إسرائيل نفسها بديلا لحل مسألة إمداد أوروبا بالغاز من الشرق الأوسط .
ولا ننس أنه وبعد اكتشافات المسح الذي أجري عام 2010 بحثا عن الغاز والنفط،واكتشاف حقول للغاز عملاقة على سواحل الشرق الأوسط والساحل الشامي ، بجانب الساحل الفلسطيني واللبناني والسوري، ورفض سوريا أي عروض مقدمة لاستخراج هذا الغاز،ورفضها أيضا مد خطوط الغاز القطرية دعمت واشنطن وإسرائيل وحلفاؤها بالمنطقة حربا شرسة في سوريا للتخلص من النظام والحكومة ، حتى سيطرت أمريكا على ثلث الأراضي السورية وكل حقول الغاز فيها.
لم تتوقف إسرائيل عن قصفها ميناء اللاذقية بشكل دوري، لمنع سوريا من الاستفادة بحقول الغاز لديها أو استكشافها ، وبنفس الطريقة وبشكل غامض تم تفجير مرفأ لبنان عام 2020، الذي أطلق عليه انفجار” بيروتشيما ” المدمر، تشبيهًا بما جرى لمدينة هيروشيما جراء الانفجار النووي .
وتأتي غزة لتكون امتداد سواحل الغاز الشامي،ولابد من فرض السيطرة عليها من إسرائيل ،وتبدأ حماس باعتداء السابع من أكتوبر وتطلق الرصاص على نفسها ،كما فعلت روسيا في نفسها ، روسيا أرادت الدفاع عن أمنها القومي فتسرق منها واشنطن 300 مليار دولار ويحظرمدها الغاز إلى أوروبا ،وحماس تدافع عن حصارها الممتد فتتعرض إلى حرب إبادة.
تنتهز تل أبيب وواشنطن الفرصة لتنفيذ المخطط ” الخفي” الكبير، وتخرج الموانئ اللبنانية والسوري والفلسطينية عن الخدمة ،ليكون الميناء الوحيد الذي يعمل ميناء حيفا الإسرائيلي. وعليه تصبح إسرائيل هي الدولة الوحيدة المسموح لها باستكشاف الغاز وفتح ممر اقتصادي وفق مخطط عرضه نتنياهو في مجلس الأمن.
واللافت هنا أنه عندما عرض نتنياهو خطته تيقنت تل أبيب أن الصفقة تمت بعد اتفاق سعودي إسرائيلي وضعته واشنطن بالإعلان عن ممر يربط إسرائيل بالهند مرورا بالسعودية والامارات ليتم التطبيع مع الكيان المحتل ،وتكون تل أبيب برعاية أمريكا مركز الغاز إلى أوروبا!
ويتواصل القصف الإسرائيلي للأبرياء من الأطفال والنساء الأبرياء حتى تحقيق التهجير القسري لأصحاب الأرض الى سيناء ودول عربية وأوروبية للقضاء على حلم دولة للأبد، ولم يظهر في الأفق حتى الآن حل سياسي يوقف هذه الحرب، ولم تتكشف بعد نتائجها، ولم يظهر ماخفي من دوافعها وأهدافها، ليبقى الشرق الأوسط على صفيح ساخن في دوامات العنف والعنف المضاد !!