مقالات الرأى

الدكتور عماد عبد البديع يكتب : ( خريف الديموقراطية الأمريكية ! )

0:00

تمر أمريكا في الفترة الأخيرة بمرحلة خطيرة من مراحل الديمقراطية عبر تاريخها، هذه الدولة التي دائما ما تتغنى بالديمقراطية بل وتمثل نموذجا من أهم نماذج الديمقراطية في العالم، أصبحت تمر بالعديد من الظواهر والأحداث التي تشير إلى تراجع المناخ الديمقراطي في أمريكا وخلق حالة من الفوضى السياسية الخطيرة في المجال العام السياسي الأمريكي لم تشهده البلاد من قبل.

ومن أبرز هذه الدلائل ما نراه من تصدر بايدن وترامب لمشهد المنافسة على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والوصول للبيت الأبيض، وكأن المشهد الانتخابي الأمريكي انحصر بين الإثنين في مشهد يشير إلى عجز الحزبين الجمهوري والديمقراطي على ترشيح كوادر سياسية شابة ، وانحصر المشهد السياسي الأمريكي على كبار السياسيين، فلم يصل مرشح شاب للبيت الأبيض منذ تولي باراك أوباما لرئاسة أمريكا.

والملاحظ للخطاب السياسي الأمريكي في الفترة الأخيرة يجد أنه قد تجاوز حد النقد المعتدل والمعتاد حول الرؤى والبرامج السياسية إلى حد تبادل الإتهامات والتعرض للجوانب الشخصية والعائلية واستخدام عبارات التهكم والسخرية ووصف الخصم بالغباء والبله والخرف !
بل والكثير من الخطاب الذي يحض على الكراهية والغضب والدعوة إلى الانتقام في بعض الأحيان !

ظاهرة أخرى باتت واضحة في المجتمع الأمريكي وهي الإنقسام الحاد وعدم التواصل بين الأجيال، كل ذلك ولد نوعا من عدم الثقة في المجتع الأمريكي في ظل غياب الكثير من القيم الأيدولوجية التي كانت تحكم المجتمع الأمريكي لفترات طويلة كقيم الديمقراطي والليبرالية والرأسمالية ، حيث لم تعد هذه القيم موضع إجماع كما كانت من قبل …

والحقيقة أن عدم الثقة وتآكل الديمقراطية في المجتمع الأمريكي جاءت أيضا نتيجة ممارسات كل من المرشح والفائز في الانتخابات الأخيرة؛ حيث أن تشكيك ترامب في نتيجة الانتخابات واتهام بايدن بتزوير نتيجة الإنتخابات ، وما حدث من اقتحام مبنى الكونجرس بالقوة وتحريض جماعات يمينية متطرفة على منع انتقال السلطة إلى بايدن في شكل بلطجة سياسية لم تشهدها حتى الدول المتخلفة وفي سابقة في تاريخ أمريكا..

كما أن ممارسات الرئيس الأمريكي بايدن ساهمت إلى حد كبير فيما تشهده السياسية الأمريكية من فوضى عارمة، والتي تمثلت في ملاحقة أنصار ترامب والزج بهم في السجن وتغليظ العقوبات على الأشخاص المتورطين في اقتحام مبنى الكابيتال، بل وفي توجيه الكثير من التهم إلى خصمه ترامب وتقديمه للمحاكمات في أحيان كثيرة ..

بالإضافة إلى قمعه للمظاهرات التي خرجت في الجامعات الأمريكية تنديدا بالحرب الإسرائيلية على غزة ودعم الولايات المتحدة المطلق لإسرائيل ضد الأطفال والمدنيين في غزة، بل والدعوة في بعض الأحيان إلى استخدام الحرس الجمهوري لقمع المظاهرات ..

كما أن ما شهدته ولاية بنسلفانيا من محاولة اغتيال ترامب هو نتاح طبيعي لما شهدته الساحة السياسية الأمريكية مؤخرا من اضطراب وانقسام خطير في ظل صعود الجانب اليميني المتطرف في ظل سياسة دولة لا تمانع حرية امتلاك السلاح وتشريعات لا تجرم تعاطي المخدرات…

كل هذه الأمور وغيرها تقودنا إلى التساؤل هل النظام السياسي الأمريكي في خطر؟ هل هذا الوضع يمهد لفوضى سياسية حتمية؟ هل الولايات المتحدة الأمريكية تمر بفترة خريف ديمقراطي؟ تأتي هذه التساؤلات في وقت ينظر فيه العرب إلى ما تسفر عنه نتيجة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل !

زر الذهاب إلى الأعلى