ثقافة وابداع

مقتطفات من «بستان الكرز» لـأنطون تشيخوف

إنعام القرشي (الأردن)

كنت في زيارة لمعرض كتاب وكانت هنالك مجموعة من الكتب على هامش المعرض تباع بأسعار رخيصة، هي في الأصل كتب لبعض الأشخاص برسم البيع اما بسبب الإفلاس او التجديد، لفت نظري كتاب بغلاف خمري اللون مكتوب عليه “بستان الكرز” مسرحية انطون تشيخوف، ومن دون تفكير حملت الكتاب الذي لم يسبق لي الاطلاع عليه لأضيفه الى مكتبتي المتواضعة ..*
*قرأت المسرحية بكثير من الانسجام، فقد كانت مسرحية “بستان الكرز” المسرحية الأخيرة للكاتب الروسي أنطون تشيخوف والتي تمت كتابتها في عام 1903، واشتهرت هذه المسرحية على نطاق واسع خاصة وانها مسرحية كلاسيكية* *”**ملهاة مأساوية” من القرن العشرين، وترجمت إلى عدة لغات في أنحاء العالم. ولأنها من المسرحيات ذات العبرة الجميلة ما بين القديم والجديد احببت ان اعرضها لكم في مقال صغير.*
*……*
*شخصيات مسرحية بستان الكرز من المجتمع الروسي الارستقراطي، *
*”مدام ليوبوف رانفسكايا” هي المحور الرئيسي التي تدور من حولها الشخصيات الأخرى. وهي شخصية قيادية وشعبية، تمثل بكل فخر الطبقة الأرستقراطية القديمة، كانت قد غادرت الى فرنسا لتقيم هناك بعد ان فقدت زوجها ومن بعده بفترة قصيرة غرق ابنها الصغير، وتراكمت عليها الديون، عاشت هناك تلك الفترة الزمنية الصعبة في ذلك الوقت . *
*لها ابنة من صلبها تدعى ” آنيا”، تبلغ من العمر 17 عامًا،*
*والابنة الأخرى فاريا بالتبني، والبالغة من العمر 24 عامًا. وهي التي تدير الحوزة وتحافظ على كل شيء. إنها الصخرة التي تجمع الأسرة معًا.**في هذه المسرحية نلاحظ ان الكاتب تشيخوف عبر عن علاقته بماضي روسيا وبحاضرها ومستقبلها، حيث ناقش المشكلات الأساسية للروس آنذاك كصراع الآباء والأبناء من عدم فهم كل جيل للآخر وصدمة البعض بتغيير الحياة الجديد، كإبنة مدام **”مدام ليوبوف رانفسكايا” **”* *آنيا ” ابنة المرأة الارستقراطية التي كانت على علاقة حب مع “ببيتر تروفيموف” وهو معلق سياسي يساري متحمس. وتستمع إلى أفكاره الثورية، على الرغم من أنها قد تقبلها أو لا تقبلها”.* *فليس من الطبيعي ان يكون الإنسان قادراً على التكيف بنمط حياة جديدة ويقف في هذا العالم المتغير**.*
*كان الجميع ينتظر وصول القطار القادم من باريس **، بعد سافرت آنيا ومربيتها **لإنقاذ والدتها من وضعها البائس. وهي شابة فاضلة وقوية* *وإعادتها إلى روسيا. حيث كانت تعيش مدام رانفسكايا مع حبيب مجهول في فرنسا منذ خمس سنوات، وكانت ابنتها قد تلقت خبراً بأن والدتها حاولت الإنتحار، مما استدعى سفرها واعادتها برفقة خادمها الذي كان معها في* *فرنسا* <e3arabi.com/%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b9/%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d8%a7-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b1%d8%a7%d9%81%d8%a7%d8%aa/>* الى روسيا، *
* كانت العائلة تعاني من ديون كثيرة لم تستطع سدادها مما اضطر الى وضع يد الحكومة على بستان الكرز وباقي الممتلكات. وكان لا بد من رجوع **مدام ليوبوف رانفسكايا الى عائلتها لمناقشة الموضوع معها ومع اخيها حول الأرض وبستان الكرز.*
*”آنيا: لنمر من هنا. انت تذكرين اي غرفة هذه يا امي؟*
*رانييفسكايا (بفرح من خلال دموعها) غرفة الحضانة!”*
*”فاريا، كم هي باردة! غرفتاك كما تركتهما تماما يا امي الغرفة البيضاء، والغرفة البنفسجية”. *
* في الصباح الباكرة **من يوم بارد في ملكية أجدادها ليوبوف أندرييفنا رانيفسكايا، التقت بالمجموعة من اهلها وبالذين أشرفوا على التركة في غيابها . في مكان ما في مقاطعات* *روسيا* <e3arabi.com/%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b9/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%af-%d9%81%d9%8a-%d8%b1…> *بعد** مطلع القرن العشرين مباشرة. *
*”آنيا (تنظر عبر الباب الى داخل غرفتها بحنان) :*
*”يا غرفتي، يا نوافذي، تماما كما لو أنني لم اسافر ابداً. ها أنا في بيتي ثانية! سأنهض غداً واخرج راكضة الى داخل الحديقة مباشرة! اوه، لو أنني استطيع أن اذهب الى الفراش وأنام الآن! لم انم طوال طريق العودة، كنت قلقة جدا”.*
*تدور * *المسرحية حول مالكة ألأرض الروسية ألارستقراطية مدام ليوبوف رانفسكايا واخيها ** جاييف “الذي **يعد أحد أكثر الشخصيات الكوميدية وضوحًا، وهو غريب الأطوار ثرثار”. التي تغرق بالديون ولا تستطيع سدادها لعدم توصلهم الى حل وسط يرضي الجميع حتى ينتهي الوقت المحدد للسداد، فكان لا بد من الحجزعلى العقار وعلى بستان الكرز وعرضه بالمزاد العلني، ويبقى الصراع فيما بينهم والجدل قائماً حول الطريقة الأسلم لحل هذا النزاع مع ابطال المسرحية مع براعة الكاتب في وصفه لأبطاله. *
*بعد ايام * *تدخل آنيا معلنة إشاعة بيع بستان الكرز. يصل لوباخين “رجل الأعمال”مع جاييف، وكلاهما مرهقان من الرحلة وأحداث اليوم. جاييف بعيد، جامد فعليًا، وينام دون أي نتيجة حول المزاد. عندما تسأل مدام رانفسكايا من اشترى العقار، يكشف لوباخين أنه هو نفسه المشتري وينوي قطع البستان بفأسه. تصاب مدام رانيفسكايا بالذهول و تتشبث بآنيا، التي تحاول تهدئتها وطمأنتها أن المستقبل سيكون أفضل الآن بعد بيع بستان الكرز**.*
*”ماذا حدث في المزاد ؟بالله عليك اخبرنا!*
*رانييفسكايا: هل بيع بستان الكرز؟*
*لوباخين: بيع.*
*مدام رانييفسكايا: من الذي اشتراه؟*
*لوباخين: انا اشتريته ” وحصلت عليه. والآن، بستان الكرز ملكي أنا! لي! *
* (يطلق ضحكةعالية) يا الهي العظيم في السماء، بستان الكرز لي أنا! قولوا لي أنني سكران او مخبول قولو كل هذا حلم (يدق بقدميه) لا تضحكوا علي! لو أن أبي وجدي قاما فقط من قبرهم ورأيا ما حدث رأيا كيف أن يرمولايهم. برمولاي الذي ظل يُضرب، الذي لا يكاد يكتب اسمه ويتنقل من مكان الى آخر حافي القدمين في الشتاء. كيف أن نفس يرمولاي هذا اشترى هذه الضيعة، اجمل مكان في العالم. لقد اشتريت الضيعة التي كان فيها أبي وجدي عبدين، حيث لم يُسمح لهما حتى الدخول الى المطبخ”. *
*من هنا نرى ان الكاتب **تناول مواضيع رئيسية في المسرحية في ذلك الزمان مثل انتهاء طبقة النبلاء وتدمير الطرق القديمة للحياة وتغير حياة الارستقراطيين بمعتقداتهم القديمة وظهور الأفكار الثورية حول إعادة تنظيم المجتمعات الفقيرة والمعدمة الى الحياة العالمية**.*
* عنوان المسرحية بهذا الاسم لم يكون من باب الصدفة او العبثية بل اختاره الكاتب لأن “بستان الكرز” يرمز الى “روسيا” **واختياره لهكذا اسم يقصد به أن يخاطب المتلقي ويخبره أن روسيا القديمة انتهت مع الجيل القديم ويؤكد له أن الأمل يكمن في الجيل الجديد الذي سيقوم ببناء روسيا الحديثة بطريقة أفضل وحياة فيها الكثير من الكرامة**.** وان الأرض عادت الى من كان يعمل بها ويشقى من دون اجر، كالعبيد بلا رحمة او شفقة.**بعد عدة أسابيع، يتم حزم متعلقات الأسرة بعيدًا حيث تستعد العائلة لمغادرة الأملاك إلى الأبد. *
*(تنظر **مدام ليوبوف رانفسكايا* * من النافذة الى البستان) متألمة وتقول: *
*”اوه،طفولتي البريئة، غرفة الحضانة التي كنت انام فيها واعتدت أن انظر من هنا الى البستان كل صباح، كانت السعادة تستيقظ معي وكان البستان كما هو لم يتغير شيء، ابيض! كله ابيض. اوه بستاني! بعد الخريف الرطب الكئيب والشتاء البارد, ها أنت تعود شاباً من جديد ومفعماً بالسعادة. الملائكة في السماء لم تهجرك، لو أنني استطعت فقط رفع العبء الثقيل الذي يرهقني، لو أنني استطيع فقط أن انسى ماضيّ.”*
* يطرح الكاتب هنا بكلماته الجميلة صعوبة الم الفراق الذي يصاحب الإنسان في كل احواله، والمضطر الى مغادرة اماكن طفولتة التي تلتصق به حتى انه يتمنى أن ينساها لعل الألم يفارقه ويستطيع أن يعيش بسلام، ولكن ؟ هيهات! *
*يدخل تروفيموف حبيب آنيا بحثًاً عن الكالوشات الخاصة به، ويتبادل هو و لوباخين وجهات النظر المتعارضة حول العالم. تدخل آنيا وتوبخ لوباخين لأنه أمر عماله بالبدء في تقطيع بستان الكرز والعائلة ما تزال في المنزل. يعتذر لوباخين ويهرع لإيقافهم في الوقت الحالي، على أمل أن يتصالح بطريقة ما مع العائلة المغادرة. تدخل المربية، تائهة وفي حالة ذهول، وتصر على أن تجد الأسرة لها منصبًا جديدًا. مدام رانيفسكايا تبكي وهي تودع حياتها القديمة والمنزل إلى الأبد. *
*في الظلام، يتجول الخادم في الغرفة ويكتشف أنهم غادروا بدونه وصعدوا به داخل المنزل المهجور ليموت. يستلقي على الأريكة ويستسلم لهذا المصير .*
* نلاحظ هنا أن طبقة النبلاء لمتكترث يوماً الى الاشخاص العاملين في خدمتهم حتى وإن كانوا لسنوات طويلة كالمربية والخادم وكل مايهمهم انفسهم وطبقتهم الاجتماعية التي يعرفونها .*
*وفي نهاية المسرحية ومن خلف الكواليس وبينما* *كانت الأسرة تغادر، كان يُسمع صوت** الفؤوس وهي تقطّع بستان* *الكرز* <e3arabi.com/nutrition/%d9%81%d9%88%d8%a7%d8%a6%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%b2/> *.*
*….*

*تتميز المسرحية ببساطة أسلوبها وجاذبية اللغة فيها، وعلى زخم المعلومات التي تفتّح عيون القارىء على معرفة أحداث مهمة ومحورية في تاريخ روسيا القيصرية التي عاش النبلاء فيها على انقاض الكثير من الفلاحين اللذين عملوا في هذه الأراضي كعبيد دون اجر ولكن في النهاية عادت اليهم بعد زوال العهد القديم ، *
*ولا يغيب عنا كيف تغيرت نظرة آنيا في نهاية المسرحية عندما علمت أن هذا البستان قام بإنشائه البسطاء من الفلاحين ويعتبر هذا مربوطاً بحقيقة فاجعة احدثها القمع، لذلك لم تعد تفكر في البستان بمشاعر الحب كما كانت بل ترى فيه عمال ازهقت ارواحهم دون ندم وانهم انفسهم من اشادوا هذا المكان الجميل.*

زر الذهاب إلى الأعلى