مقالات الرأى

إميل أمين يكتب: التعليم إبداع أم أتباع ..أميركا كنموذج

0:00

على عتبات عام دراسي جديد، يكاد يتكرر السؤال :” هل التعليم إبداع أم أتباع ، وهل الخير كما يقال في كل سلف ، والخوف من كل خلف؟
هل نحن شعوب ماضوية تحن إلى التراث من غير النظر إلى الحداثة، أم أن هناك مجال رحب واسع لأن يلتقي كلعهما معا ؟
ربما ينظر العالم إلى الولايات المتحدة الأميركية كنموذج لأفضل تعليم يقدم حول العالم، ولهذا تسعى النخبة لإبتعاث أبناءها إلى هناك، أملا وعملا ، في طريق الصعود والترقي.
يعن لنا التساؤل:” ما الذي تمتلكه المؤسسات التعليمية الجامعية الأميركية، ويجعل منها قاطرات للتقدم حول العالم وعلى كافة الأصعدة ، علميا وطبيا، إقتصاديا وفلكيا، بحثا علميا، ونظريات مجتمعية ، إلى أخر التوصيفات والتصنيفات ؟
قبل الجواب دعونا نتوقف مع بعض الحقائق الخاصة بهذا السياق التعليمي الأميركي ، ذلك أن أميركا تملك اليوم تنوعا كبيرا في الكليات والجامعات ذات النوعية المختلفة إلى حد كبير. ففي عام 2007 قدمت نحو 4300 مؤسسة في التعليم العالي درجات مختلفة ، معظمها يمنح درجات البكالوريوس فقط، وقرابة 600 منها تمنح درجة الماجستير ، ونحو 260 يمكن تصنيفها على أنها جامعات بحثية .
من هنا يمكن القطع بأن ما يميز الجامعات الأميركية بنوع خاص، هو أنها تقدم أمرين يعدان رافدين للتقدم في أي موقع أو موضع علمي : البحثن والمعرفة ، من غير أن ينفصل أحدهما عن الأخر .
هنا تظهر مفارقة تمايز بين التعليم الأساسي وبين التعليم العالي في الولايات المتحدة، فأميركا لا تعد بين دول العالم المتقدمة، متميزة بشكل كبير ووافر في مجال التعليم الأساسي ، مع أنها تملك نظاما تعليميا ممتازا ومدارس يتوفر فيها كافة العناصر الضرورية لبناء الإنسان وتنشئته علميا وثقافيا مهنيا ، ورغم ذلك فإن طلابها يحصلون على مستويات متوسطة ضمن مستويات القياس العالمية.
على أن ما يجعل من مؤسسات أميركا الجامعية قصة أخرى ، فهو نظام التعليم العالي، حيث أوجدت لها أنظمة وممارسات وتجارب مثار إعجاب وتقليد من كافة دول العالم .
تبنى ” جون هنري نيومان”، الإنجليزي المولد فكرا جديدا حول مفهوم الجامعة الذي يهتم بنقل المعرفة وحفظها بدلا من إنتاجها، والتخلي عن إنشاء معرفة جديدة وتطبيقها علميا ، ومع ذلك لم تؤثر أفكاره في التطور العلمي للجامعات في الولايات المتحدة، إذ إستفاد المعلمون هناك من النماذج الأوروبية البحثية بنوع خاص .
أجبر النموذج الأميركي الجديد بقيادة جامعة ” هوبكنز “، كليات النخبة القديمة وقادتها مثل ” تشارلز ويليام إليوت ” في هارفارد على إعادة التفكير في مفهوم الجامعة وبنيتها ، فاصبحت الجامعة في ” هوبكنز ” مثلا تهتم بإبداع المعرفة الجديدة، من خلال البحث، وبرز هذا النموذج بحلول عام 1990 في أغلب الجامعات الأميركية الرائدة.
هل كان هذا المفهوم وراء مولد نوع جديد من أنواع الجامعات الأميركية التي ستقود أميركا لا سيما فيما بعد الحرب العالمية الثانية، عبر مدارات قيادة العالم، وربما الهيمنة أو السيطرة على العالم …ماذا عن هذا المفهوم ؟
يقدم لنا البروفيسور ” ريتشارد سي أتكينسون ” والذي شغل منصب الرئيس السابع عشر لنظام جامعة كاليفورنيا في الفترة من 1995، إلى 2003، رؤية عن هذا النسق الجديد لما يعرف بالجامعات البحثية الأميركية والتي تم الإعتراف بها على نطاق واسع بإعتبارها جوهر نظام العلوم والتكنولوجيا في الأمة الأميركية .
حتى الحرب العالمية الثانية كانت الجامعات البحثية على هامش هذا النظام، لكن المساهمات العلمية التي تم تقديمها أثناء الحرب جعل هذا النظام يتصاعد بسرعة صاروخية لاحقا .
اليوم تعد جامعات الأبحاث الأميركية مراكز حيوية لأداء الأبحاث التي تعمل على تطوير المعرفةفي جميع التخصصات العلمية والهندسية ، وتساهم في الاقتصاد الوطني وكذلك في الاقتصادات المحلية والإقليمية .
هذه الجامعات البحثية هي التي تجعل من النظام الجامعي في الولايات المتحدة الأميركية الأفضل في العالم، وذلك من خلال عدة مؤشرات في مقدمها عدد جوائز نوبل الممنوحة لأعضاء هيئة التدريس .
لقد بات واقعيا أن كليات الدراسات العليا في الولايات المتحدة هي الوجهات المفضلة للعلماء والمهندسين الطموحين من الخارج .

تبقى جامعات أميركا في كل الأحوال ، أكبر كثيرا جدا، من مجرد كونها مؤسسات تعليمية، ما يستدعي ربما عودة مرة أخرى للنظر في جوانب مهمة بدورها في هذا السياق .

زر الذهاب إلى الأعلى