إميل أمين يكتب : التكنولوجيا المعاصرة والحروب الحديثة
ذات مرة في منتصف القرن العشرين، سأل بعضهم العالم الفيزيائي الفز، ألبرت أينشتاين :” كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة؟. كان جوابه عجيبا وغريبا، إذ قال ، ما أعرفه هو شكل الحرب العالمية الرابعة، والتي ستخوضها البشرية بالعصى والأحجار.
المعنى الذي قصده أينشتاين ولاشك كان ينسحب على المواجهة النووية بين القوى الكبرى، والتي لن تبقي ولن تذر، أي من معالم الحضارة الإنسانية المعاصرة، ولا أدوات المواجهة العسكرية الحديثة من دبابات وطائرات، مدمرات وغواصات، وكافة أدوات الحروب المعاصرة .
غير أن النتيجة التي كشفت عنها الحرب الباردة، تمثلت في رفض أي من أصحاب تلك القدرات النووية تفعيلها، إيمانا من جميعهم ، بأنها حرب لن يكون فيها منتصر أو مهزوم، بل دمار شامل للجميع .
والشاهد أنه على الرغم من أن الصراع القائم في شرق آسيا بين روسيا وأوكرانيا، يفتح المجال للحديث بين وقت وأخر، عن إمكانية إستخدام الصواريخ النووية، إلا أن المؤكد أن الجميع يخشى من الوصول إلى هذه الحافة المهلكة للقاصي والداني .
غير أن هذا لا ينفي أن هناك تطورات مثيرة وخطيرة تجري بها المقادير فوق سطح كوكبنا المتألم، تتصل بالحروب المعاصرة، فقد طفت على السطح تعبيرات من نوعية حروب حديثة غير مسبوقة ، وبأدوات لم تعرفها البشرية من قبل، لن تكون فيها الحرب تقليدية كما في الحربين العالميتين الأولى والثانية، بل بأدوات معرفية معلوماتية، تعتمد على التكنولوجيات المعاصرة، وفنون الذكاء الإصطناعي، والقدرة على إختراق حصون العدو، من غير تحريك جندي واحد أو إطلاق رصاصة بعينها .
هل من فلسفة ما وراء هذه الحروب؟
الجواب يقودنا إلى خبير الحروب الصيني التاريخي ” صن تزو ” وكتابه العمدة ” فن الحرب “، فقد كتب فيه :” إن الفن الأسمى للحرب هو إخضاع العدو دون قتال . إذا تمكنت من إقناع عدوك بأن جهوده العسكرية ستذهب سدى ، فيمكنك الفوز دون قتال ، وهذا هو الإتجاه الذي ستقودنا إليه حروب الجيل السابع والثامن .GW7 و GW8.
هل ما جرى مؤخرا في أكثر من موقع وموضع في الشرق الأوسط هو مثال لهذه الحرب القادمة؟
مؤكد أن ما جرى في لبنان قبل أيام وضع العالم أمام علامة استفهام مقلقة حول التطور التكنولوجي وعلاقته بعالم الحروب والمواجهات، وبات الناس يتساءلون:” هل الحل هو الخلاص من تلك التكنولوجيا المعاصرة والعودة إلى الادوات البدائية أوقات الصراع ؟
يوما تلو الأخر يكتشف الجميع أن أدوات التواصل والإتصال باتت شبيهة بربات الإغريق القدامى، لا سيما ” ميدوسا “، التي إذا نظرت إلى أي غرض بعينيها حولته إلى حجر .
ويقول نفر أخر، إن أدوات التكنولوجيا المعاصرة، باتت في حاضرات أيامنا قريبة الشبه جدا باتت شديدة القرب من الإله جانوس إله الرومان، صاحب الوجهين، وجه الإله ووجه الإنسان.
تبدو هذه الأدوات اليوم كنعمة تارة، وكنقمة تارة أخرى، سيما أن الحروب الحديثة ستدور حول قدرات الأطراف المتصارعة على إغلاق أنظمة الاتصالات التجارية والعسكرية للعدو ، وشبكات الكهرباء ، ومرافق المياه الخاصة بهم بإستخدام أنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة والأسلحة السيبرانية ، أو حتى أسلحة النبض الكهرومغناطيسي المحلية .
ما الذي يمكن أن تتسبب فيه هجومات من هذه النوعية ؟
بإختصار غير مخل ، يمكنها أن تعطل الإقتصاد والنظم المصرفية وطرق التواصل السلكية واللاسلكية، وتخريب البنية التحتية من غير حاحة إلى تدميرها بنيويا .
يمكن لمثل هذه الهجمات أن تمتد من البر إلى الجو، فتعيق حركة الطيران المدني، ما يعني شل المطارات، وبالصورة عينها، يمكنها أن تلحق الأذى البالغ بالقوات الجوية .
لا توفر تلك الأدوات الجهنمية البحر، ما يجعل من حاملات الطائرات الهائلة، والمدمرات المرعبة، فضلا عن الغواصات النووية التي تجوب البحار والمحيطات، ليست أكثر من قطع خردة من الحديد، ومن عليها بشر رهائن ربما لن يجدوا سوى الفؤوس والسهام، وكأن البشرية عادت إلى القرون الوسطى.
رؤية ” صن تزو ” هذه عن إخضاع العدو، ستدخل مجال التطوير والإبتكار كلما أوغلت البشرية في عالم الذكاء الإصطناعي، ثم السوبر ذكاء إصطناعي .
هل الخليقة على موعد مع الحرب المجهولة – المعلومة ؟