أمجد مصطفى يكتب : لمة الطبلية
لمة الطبلية وتجمع العائلة حول مائدة الطعام، عادة مصرية أصيلة، تؤكد على ترابط تلك العائلة، وسمو أخلاق رب الأسرة.
فى الماضى القريب، لم يكن أفراد العائلة يتناولون أو يشرعون في تناول أي وجبة إلا بوجود الأب والأم على رأس المائدة أو على الطبلية، يبدأ الطعام بالبسملة من الأب كنوع من التذكير لباقي الأسرة بضرورة قول بسم الله الرحمن الرحيم قبل أن تشرع في الأكل ،وحتى يبارك الله في الطعام، والبركة والرضا والقناعة هي صفات تجدها لدى الإنسان الذي تربى في أسرة أصيلة،الذى تربى على طابلية الاسرة. وينتهي الطعام بكلمة الحمد والشكر لله،كنوع الشكر للمولى عز وجل على ما اكرمهم به من طعام وشراب.
ثم تبدأ جلسة شرب الشاي وتناول الفاكهة أن وجدت، وخلال جلسة الشاي كانت تناقش بعض أمور الأولاد مع الأب والأم أخبار الدراسة أو العمل، في الغالب كانت الكثير من قرارات الأسرة تتخذ أثناء تلك الجلسة، و”يا سلام لو بال رب الأسرة رايق”، تحصل على مكافآت فورية، تبدأ ببضعة جنيهات أو قروش للأجيال القديمة، والآن أصبحت مئات، وتنتهي بمد ساعات اللعب او الخروج مع الاصدقاء.
ولا مانع من انفراد الأم بالأب، لكي تقنعه بعريس للابنة أو عروسة للابن.
وفي المساء والسهرة كانت الأسرة تجتمع حول المسلسل التليفزيوني في الثامنة مساء، والتجمع حول العشاء.
هذا كان حال الأسرة المصرية في الماضي القريب.
لا أدرى ما الذي حدث للأسرة؟ أصبح الآن كل شخص من أفراد الأسرة، يحصل على طبق الطعام أو “الصينية” ويذهب إلى غرفته، ثم يخرج لإلقاء الصينية في المطبخ أو أقرب مكان، وأحيانا تجد الشاب يلقيها أسفل السرير، أصبحت الغرفة الخاصة بالابن أو الابنة هي المطبخ والسفرة وهي المكتب وهي محطة الانطواء أو الانزواء، واصبح التليفون المحمول وقبله الكمبيوتر هو كاتم الاسرار، حل محل الاب والام والاخوة، وبالتالى وجدنا المجتمع ككل اغلبة مفككا، وجدنا جرائم غريبة على مجتمعنا، وجدنا التطاول وقلة الادب هى وسيلة التعبير الوحيدة، وجدنا الانسان يضحى بمصلحة المجتمع ويعلى من شأن مصلحتة الشخصية، وجدنا صرعات فى العمل، والتنافس تحول الى عداء، والعداء الى حرب، والحرب اصبحت تستخدم فيها كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.
هنا يسأل سائل هل كل هذا سببه الطبلية؟ نعم سببه الطبلية، لأنها المجتمع الصغير الذي ينمى الأخلاق و يسمو و يرتقى بها، على المائدة كان الأب يلاحظ أي تغير على الأبناء، ويبدأ بالسؤال عن أحوالهم، ومن إجابة الابن أو الابنة يعلم حقيقة الأزمة سواء في المدرسة أو العمل، ويبدأ في التوجيه من بعيد، كان الأب، هو الميزان، والميزان هو رمز العدل في المجتمع.
الطبلية هي العدل وبركة الرزق، هي التواد والتراحم، والتلاحم والارتباط والانسجام والاحترام، نعم مائدة الطعام تعلمك كيف تحترم الآخر؟ أدب الطعام يعكس صورتك أمام الناس، نعم أسلوب وطريقة تعاملك مع طبق الطعام تقول الكثير والكثير عن شخصيتك، أسرتك،ماذا علمتك من أدب الطعام؟
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان أحرص الناس على أدب الطعام، وجاء في الحديث الشريف “عن عُمَرَ بنِ أَبي سلَمَة رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ لي رسولُ اللَّه ﷺ: سَمِّ اللَّه، وكُلْ بِيَمِينكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ”. كل تلك الأمور تجد الأب حريصا عليها لأنها من تعاليم الدين.تلك التعاليم الدينية لها مدلول كبير.
أما انتشار الفقر وقلة البركة والحروب بين الناس، بدأنا نشعر بها مع انتشار “التيك آوى “حتى الامراض المزمنة كامراض القلب و خلافة سببها “التيك اوى” وبالتأكيد ايضا عالم السوشيال ميديا، وانشغال كل فرد من الأسرة بحالة بعيدا عن أعين الأب والأم. العودة إلى الطبلية أصبح أمرا حتميا، لأنها علاج فعال في مقاومة الغلاء ، ونحن نعيش أيام الكل يعاني منها بسبب ارتفاع و جنون الأسعار، البركة في الألتفاف حول المائدة حول الطبلية، لا تستهروا بالأمر.