رشدى الدقن يكتب : “أم سيتى”..قيثارة الفرح !
هذه حكاية مثيرة ،صعب تصديقها،لكن الأصعب تكذيبها ..فهذه سيدة عاشت فى مصر ،ورحلت فى بداية ثمانينات القرن الماضى بعد أن أثبتت عمليا كل قالته ،من هى هذه السيدة ،وماذا قالت ،والأغرب ماذا فعلت ليصدق الناس حكاياتها،ويستعين بها قامة أثرية كبيرة مثل الدكتور سليم حسن ويتوسط لها لتعمل معه فى البحث عن الآثار المصرية القديمة ،ويكتب لها شكر على تعاونها الكبير فى فك رموز الكتابة الهيروغليفية فى تحفته الفنية المسماه “حفريات الجيزة” ، اعتادت لبس الملابس البيضاء مثل كهنة وكاهنات المعبد ،كانت تعيد الأحجار إلى أماكنها الأصلية فى معبد أبيدوس، وتحرم على الناس دخول المعبد بالحذاء أو وهم يدخنون، عندما سألوها عن لوحة لـ«سيتى»، وصلت إليها دون عناء.
عن البريطانية من أصول ايرلندية ، دوروثى إيدى المشهورة بـ«أم سيتى» أحدثكم !.. وُلدت فى لندن 1904، وغادرت هذا العالم 1981 عن 77 عامًا…ذات يوم فى العام 1907 أثناء نزول الطفلة “دوروثي إيدي” سقطت من على سلالم منزلها، واستدعت الأسرة الطبيب على عجل ،فأعلن بحزن وفاتها ..وضعوها فى سريرها بالحجرة العلوية فى المنزل ..وبدأت الأسرة الإستعداد لمراسم الدفن والجنازة ، لكن، حدث ما لم يكن متوقّعاً.. بعد ساعة واحدة على إعلان وفاتها، عادت إلى الحياة مُجدّداً،وجدتها الأسرة فى غرفتها تلعب بعرائسها سعيدة لاتتذكر شئ مما حدث ..وقف الطبيب نفسه مذهولا لايجد تفسيرا ،مرت سنوات قليلة كانت فيها دورثى عادية جدا لايميزها شئ سوى فترات من الشرود تطول وتقصر ولا أحد يعرف مايحدث لها فى تلك الساعات ،فهى نفسها لاترد عليهم طول هذه الفترة ،وعندما تعود لنفسها تحكى لهم عن حياة أخرى كانت فيها لاتستطيع وصفها .
حين كانت في سن السابعة، ذهبت برفقة والديها إلى المتحف البريطاني، وزاروا قسم المقتنيات الأثرية المصرية،وبمجرد أن دخلت تركت يد والدها وجريت تقبل أقدام التماثيل وتبكى قائلة”هؤلاء أهلى” ..هؤلاء من يزورونى ويلعبون معى لساعات طويلة ويحكون لى كيف عشت معهم وأين كنت أقيم مع زوجى الملك”سيتى الأول”.
حديث “دورثى” أقلق أسرتها جدا فذهبوا بها إلى مصحة نفسية ،لكن الأطباء جميعا قالوا أنها سليمة ولاتعانى من أى مرض ..واظبت دورثى على زيارة المتحف البريطانى ،وفي إحدى رحلاتها إلى المتحف، التقت عالم المصريّات الشهير”واليس بادج”، الذي حثَّها على دراسة الهيروغليفية “اللغة المصرية القديمة”.
عندما بلغت من العمر 15 عامًا ، ولمدة 12 شهر كاملة زارتها روح الكاهن المصرى القديم “حور رع ” في الأحلام طل ليلة وجعلها تتذكر حياتها الماضية .. وقتها عرفت أنها قبل أن تولد باسم “دوروثي ” ، كانت امرأة مصرية شديدة الجمال اسمها “بنتريشيت” وتعنى قيثارة الفرح ..وأنها من أسرة مصرية بسيطة ..والدها جندى فى جيش الملك سيتى الأول ،ووالدتها التى كانت عمل بائعة توفيت وهى صغيرة ،وعندما كان عمرها ثلاث سنوات فقط…- لاحظ أنه نفس السن التى وقعت فيه من على سلم البيت وقالوا أنها ماتت فى لندن- عندما وصلت الثالثة فى حياتها المصرية القديمة وضعها والدها فى المعبد لأانه لايسطيع رعايتها والإعتناء بها وظلت فى المعبد حتى وصلت الثانية عشرة من عمرها ولأنها شديدة الجمال أسندوا لها دور ايزيس فى المسرحية التى تعرض كل ليلة كطقس دينى ..وعرض عليها الكهنة أما أن تخرج من المعبد لتعيش حياتها أو تكرس حياتها فى المعبد وتعيش ككاهنة عذراء للأبد .
لم تتردد “قيثارة الفرح” فى الإختيار ..قررت البقاء والعيش ككاهنة ..وظلت هكذا حتى وصلت لسن الرابعة عشر ورآها الملك سيتى الأول فى أحد العروض المسرحية الدينية وهام بها حبا وتزوجها.
“دورثى ” كانت كلما ذكرت هذه الحكاية لأى شخص يشك فورا فى قواها العقلية ..لكن هى كان مؤمنة تماما أنها لاتنمى لهذا العامل وأن حياتها الحقيقة فى مصر القديمة ..واظبت على دراسة اللغة الهيروغلوفية حتى أتقنتها .
قى العام 1931 تعرفت دورثى على شاب مصرى يدرس فى لندن ..أحبته بجنون وتزوجا وعادا معا إلى القاهرة وأنجبت طفلا أصرت على تسميته “سيتى” ..وقتها قالت الآن عدت إلى بيتى القديم .. كما تقول فى كتابها كان لديها شعور كبير في العودة إلى الوطن هذا الذى كانت تتعايش معه فى أحلامها التى ظلت تلازمها ولا تفارقها ابداً فى هذا الوقت كانت دوروثي لا تزال لديها أحلام ورؤى غريبة فقد كانت ترى ان سيتي الأول كان يزورها..وان هناك امرأة مجهولة تدعي “ذرع حور” كانت تروى وتملى عليها حكايتها التى روتها فى كتابها الذى نشر عام1981 “ابيدوس المدينة المقدسة “والتى كانت تجسد لها شخصيتها فى زمن غابر..وكانت تأخذها فى جولة فى شوارع وباحات وحوارى ابيدوس القديمة والتى تعرفها جيداً لهذا عندما جاءت إلى مصر كانت ترشد هيئة الاثار على الكثير من الآثار ..وتقف معهم فى عملية التنقيب وتعيد ترتيب الأحجار فى المعبد فتظهر الكلمات التى تترجمها لمن معها بسهولة ويسر.
وطوال فترة اقامتها فى ابيدوس والتى امتدت الى ما يناهز الربع قرن ” 25 عام “كانت تكشف بجلاء عن معرفة عميقة وموثقة “بدقائق وتفاصيل المكان والتى كانت تكشف عنها الكشوفات الأثرية والأبحاث العلمية المعنية بمنطقة ابيدوس الأثرية
عاشت فى هدوء وراحة لم ينغص حياتهما سوى أحلام تحكيها لزوجها وتقول أن الملك سيتى الأول مازال يزورها ويقضى مع الليل …ورغم عدم تصديق أحد روايتها إلا أن والد زوجها قال أن استيقظ فى أحد الليالى التى قضاها فى منزلهم بالقاهرة وسمع دورثى تتحدث بلغة غريبة ولعلمه أن ابنه لم يعد بعد للمنزل ذهب إلى غرفتها وفتح الباب وأكد أنه رأى فعلا شخص بملابس مصرية قديمة فى غرفة زوجة إبنته .
انفصلت “دورثى” عن زوجها فى العام 1934 .. لكنها لم تعد إلى لندن واصلت حياتها فى مصر والتحقت بالعمل فى دائرة الآثار كسكرتيرة ..وهناك تعرف عليها الأثرى الكبير الدكتور “سليم حسن” وحكت له حكايتها فأصطحبها معه إلى
بعد أن عاشت “دورثى” في القاهرة لمدة 19 عامًا ، انتقلت إلى أبيدوس وقامت ببناء منزل هناك، زبدأت تُدعى “أوم سيتي” ، والتي تُترجم إلى “والدة سيتي”. ..وتعاونت مع العديد من علماء المصريات البارزين الذين استفادوا من رؤيتها الشديدة ومعرفتها بالمنطقة… وساهمت فى عدة اكتشافات مهمة منها تمثال سيتى الأول والحديقة التى كانت تلتقى فيها بحبيبها الملك.
وكان ل”ام سيتى ” طقوس خاصة تؤديها فى باحات معبد سيتى الأول ومعبد رمسيس الثانى تكاد تصل إلى نوع من التعبد ولا تدخل المعبد إلاعارية القدمين وتدور حول المعبد وأصبح المعبد مزار مقدس في حياتها وتلتزم بدقة بالتقويم المصري القديم مع مراعاة الأعياد والصلوات لأوزوريس في الأيام المقدسة.
ذاع صيت أم سيتى وانتشر كثيرا وكان زوار منطقة ابيدوس من الأجانب أو المهتمين بالحضارةالمصرية القديمة يضعون زيارة مقبرتها التى بنتها بنفسها بجوار معبد أبيدوس على رأس برنامجهم لزيارة المنطقة.. وقد تم تأليف الكثير من الكتب واعداد الكثير من الأبحاث عنها كما قام تلفزيون البى بى سى البريطانى بعمل فيلم وثائقى تسجيلى عنها اُذيع بعد وفاتها ويعد وثيقة هامة تؤرخ لها لأنه تم تصويره معها وما زالت معروفة فى ابيدوس” العرابة المدفونة”
ووصفت صحيفة نيويورك تايمز قصة حياتها بأنها “واحدة من أكثر حالات التاريخ جذبا في العالم وإثارة وتمثل مقبرتها والمدفونة عند وفاتها اوائل الثمانينات أحد أهم المواقع الأثرية في مصر وتقع الآن ضمن حدود مدينة البَلينا بمحافظة سوهاج .