مقالات الرأى

أمجد مصطفى يكتب : بين مطروح ولندن ..و لغة”المشرط والقلم”

0:00

الحنين إلى الماضي دائما ما يدفع كثير من الناس إلى العودة إلى الطفولة، المدرسة، الشارع، الجيران، الأصدقاء، الشاطئ، لعب كرة القدم، نعود بالذاكرة إلى الصيف كيف كنا نقاوم الحر بالذهاب إلى الشواطئ والسهر أمام المنزل؟ الشتاء حيث البرد وهطول الأمطار والسيول وكيف كنا نتجمع حول المشروبات الساخنة و “الباجور أبو شرايط”؟ أو نذهب إلى المقاهي المغلقة بنوافذ زجاجية حيث نستمتع بمشهد هطول الأمطار من خلفها، وكأننا نشاهد فيلم أجنبي، قصص حول الدورات الرمضانية، أيام رمضان، الفانوس رائحة الشمع، كلها حكايات تعيش بداخلنا، ونعيش بداخلها.
خلال أيام الحنين هذه وأنا أبحث في ألبوم ذكريات مطروح حيث الطفولة، وجدت شخص على الفيس بوك يكتب ما يشبه السيرة الذاتية في شكل حكايات عن مطروح وأبناء مطروح، بعض أعلام مطروح، شوارع مطروح، أصدقاء مطروح، معالم مطروح مثل كازينو ومرجيحة غيت حضوري ، وعم أحمد ابتاع البوابير وعم سيد ليليس، الشهيد زاهر جلال والمنطقة الشرقية بمطروح ومنزل عيت أبو قفة، وسيارة عم رمضان أبو قفة، عيت حجازي، عيت عبد الحميد قطارية “بالمناسبة” هذا الرجل خال والدي رحمهما الله، وعيت عبد الجواد وأبو شعفة وغيرهم، المقصود هنا ب “عيت” أى عائلة، قلت فى نفسى يا ترى من هذا الرجل الذى يسرد الحكايات بشكل فريد بها تفاصيل دقيقة،فهو وصف رجل يكتب سيناريو او رسام يرسم لوحة، لغة كتابة راقية وفى نفس الوقت مليئة بالتفاصيل، تفاصيل اعادتنى إلى مطروح، عشت اجواء مطروح بين سطور حكايات هذا الرجل، سألت عنه قالوا “ده الدكتور حسن رمضان قلتلهم ما انا عارف اسمه مين هو حسن رمضان؟ قالوا هذا ابن عم رمضان ابو قفه وهاجر إلى بريطانيا من السبعينيات وعاش هناك، قلت يعنى اخو الاستاذ يوسف ابو قفة… قالوا: نعم بالمناسبة أستاذ يوسف تتلمذت على يده حيث كان أستاذ مادة الأحياء في مدرسة الشهيد عبد الحليم المعناوي الإعدادية، وكان من أفضل الأساتذة علما وخلقا، وعائلة أبو قفة تتمتع بحسن الخلق طوال عمرها، وهكذا كانت كل أسر مطروح.
المهم بدأت أتتبع ما يكتبه الدكتور حسن، على” الفيس بوك “، وعندما يكتب حكاية في جزأين، انتظر في شغف الجزء الثاني
منها.
وعندما علمت أنه طبيب جراح، أيقنت هنا أسباب قدرته على الوصف والتحليل واستعانته في الكتابة بأدق التفاصيل، مهما كانت صغيرة، لأن الجراح الشاطر، لا يدخل غرفة العمليات ولا يستخدم المشرط ألا وهو يعلم كل تفصيلة عن المريض مهما كانت صغيرة، وكذلك الكاتب سواء كان صحفي أو روائي أو شاعر أو سيناريست لا بد أن يعي كافة التفاصيل عن الموضوع الذي يتناوله لأن القلم مثل مشرط الجراح أي معلومة خطأ من الممكن أن تؤدى إلى كارثة، لذلك لم دُهِشَ من دقة الوصف كما قلت عند دكتور حسن، وأتصور أن الجراح لابد أن يكون له نفس خيال السيناريست والمخرج لأنه ربما يتخيل ما يحدث داخل غرفة العمليات قبل أن يبدأ في الجراحة، هكذا أتخيل وربما أكون مخطئ.
لا بد أن يكون له نفس خيال السيناريست والمخرج لأنه ربما يتخيل ما يحدث داخل غرفة العمليات قبل أن يبدأ في الجراحة، هكذا أتخيل وربما أكون مخطئ.
وكم كانت سعادتي كبيرة عندما حول تلك القصص أو الحكايات إلى كتاب أطلق عليه “بين مطروح ولندن” لأن هذا التوثيق عن الحياة في مطروح، كنا في أشد الحاجة إليه، الناس تريد أن تعرف الكثير عن مطروح، ومن عاش خارج تلك المدينة الهادئة يعلم أن أغلب الناس تنظر إليها من منطق أنها مصيف ويسيطر على أهلها حياة البداوة، وان أهلها يعيشون على الرعي طوال العام، ويحكمها مجموعة من العادات والتقاليد، بعضها نقل بشكل خاطئ أيضا، لكن في كتاب الدكتور حسن ظهرت وصححت أشياء كثيرة، كان لا يعلمها الناس عن مطروح، وما زالت أقول إن مطروح تستحق أفضل من كونها مصيف أو كونها مجتمع بدوي، مطروح أبنائها حول العالم منهم الطبيب والمهندس والأديب والإعلامي ورجل الشرطة وضابط الجيش وبعضهم شارك في حرب أكتوبر المجيد ونال الشهادة. وبالمناسبة الدكتور حسن هو أول طبيب من أبناء مطروح كما أنه أول طبيب يهاجر من أبناء مطروح إلى أوربا.
مساء الخميس الماضي كان أبناء مطروح على موعد بالقاهرة في ندوة نظمها ملتقى السرد العربي، في حفل إطلاق كتاب بين مطروح ولندن، بمناسبة طرحه أيضا في معرض القاهرة الدولي للكتاب.
تحدث فيها الدكتور حسن، بنفس لغته التي وجدتها في الكتاب أو في حكاياته، لغة تقربك منه، وتوقفت أمام عدة جمل قالها أبرزها، أنا تربية أمى، و لزوجتى دور كبير في حياتى، وان الأب كان القدوة، وأنه قام بتربية ابنائه مثلما تربى هو، ولكنه عندما عاد ليكتشف أن الأبناء الآن مختلفين تماما عن أبناء جيله، الدكتور حسن قال إن الفضل يعود في صدور
كتابة إلى شقيقه الاصغر فضل، بقوله الفضل يعود لفضل، ملخص كلماته انه مازال محتفظ ومحافظ على ما تعنيه كلمة العائلة، رغم سنوات الغربة الطويلة، لكن العائلة مازالت هى العمود الفقري لاى انسان مهما ابتعد عنها، وهذا يظهر حتى فى الكتاب من خلال حكايته، مصر لم تغب عن قلبه، وهو يتضح من خلال قصته التى يضمها الكتاب “جائنا البيان التالى” او “فيلا خيرى”.
الجذور دائما هى الملهم والمحرك لأولاد الأصول، لذلك فالمواطن المصرى حسن رمضان ابو قفة لم ينسى عاداته وتقاليده ولم ينسى اهلة وناسه رغم سنوات الغربة فى لندن، لذلك لا تفارقنى جملته “ربيت ابنائى زى ما اتربيت”.
الدكتور حسن رمضان اثبت أن لغة المشرط والقلم لغة واحده، كلاهما يصوب خطأ أو مشكلة أو أزمة قد يواجهها الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى