حالة حب “نخبوية” !!
كنت الى وقت قريب اتعامل مع بعض المصطلحات بحذر شديد ومن بينها مصطلح “النخبة” نتيجة هذا الكم الهائل من الغموض الذى يحيط هذا التعبير “المستفز” .
المهم ظل “يعشش” بداخلى لسنوات طويلة إحساس قوى بأن تجمعات “النخبة” لن نأخذ من ورائها سوى الصداع و”وجع الدماغ” واستمر بى هذا الحال الى أن تلقيت دعوة كريمة من صديقى المبدع الراقى وبلدياتى المستشار حسام العادلى لحضور ندوة مهمة أقامها له أمس صديقى المفكر والمثقف “المتمكن” أحمد المسلمانى وذلك فى مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية ، هذا المركز الذى أسسه المسلمانى لتقديم نوع مختلف من الدراسات والفكر الراقى البعيد كل البعد عن “غوغائية” و”فوضى” الدارسات – غير الخلاقة – التى انتشرت فى مجتمعاتنا العربية وعلى وجه الخصوص فى أعقاب ما تسمى بثورات “الربيع العربى” .
والحق يقال فإن التقديم “المختصر” للندوة الذى طرحه المسلمانى أربكنى و “لخبط” أشياء كثيرة فى ذهنى عن تعبير “النخبة” ، حيث شدد فى بداية كلامه على أنه فى مركز القاهرة للدراسات الإستراتيجية حريص كل الحرص على ان تكون اللقاءات والندوات ” نخبوية” لقناعته بأن النخب هى التى تدير شئون العالم كما أنها أيضاً تسهم فى تغيير موازين القوى فى شتى مجالات الحياة وعلى كافة الاصعدة .
فى البداية تعاملت مع الأمر على أنه مجرد كلام ” فض مجالس” حسب التعبير الدارج ولكن ما أن تحدث المستشار حسام العادلى فى موضوع الندوة حتى تغيرت النظرة تماماً وايقنت أننى فى ندوة “نخبوية” بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولكنها ندوة تنطوى على حديث بطعم “شعبى” ، وتأكدت أنه ليس مجرد كلام صادر عن رجل قانون وانما من مفكر موسوعى يتحدث بلغة “شعبوية” ويفكر بطريقة وأسلوب “نخبوى” وهنا تجلت روعة الاختيار ، فالضيف يليق بالحديث فى ندوة مهمة تتنارل تطور الرواية المصرية ، أما المضيف فله بالفعل كل الحق فى تحديد هذا الإطار العام لنشاطه وهو أن يكون راقياً فى كل شئ .
لا أدرى كيف مرت الساعات الثلاث التى أمضيناها بهذه السرعة ونحن نستمع ونستمتع بالسرد الشيق للمستشار حسام العادلى لموضوع الندوة التى فى تقديرى الشخصى لم تكمن روعتها فى اختيار الموضوع وحسب بل فى انتقاء “النخبة” المشاركة أيضاً، فقد تنوعت ثقافات الحضور وتجلت روعتها فى تلك المداخلات و”المشاكسات” أيضاً التى بدأها صديقى ورفيق رحلة الدرب بمؤسسة الاهرام العريقة الكاتب المبدع محمد شمروخ الذى أراد كعادته وبأسلوبه الساخر أن “يقلب الترابيزة” على مفهوم “النخبة” الذى تحدث عنه المسلمانى ولكن وجود المبدع الراقى محسن عبد العزيز مدير التحرير بالاهرام وأد الفتنة وابطل مفعول هجوم شمروخ الضارى على معظم الشخصيات التى ذكرها العادلى وهو يتناول الحياة السياسية فى القرن الماضى.
ولكن يظل الطرح الأكثر من رائع الذى قدمه لنا المستسار حسام العادى الحاصل هذا العام على جائزة الدولة التشجيعية فى الادب هو أيقونه اللقاء فقد اخذنا يمينا ويساراً وأبحر بنا عن طيب خاطر فى محيطات وبحار الادب والسياسة والفكر وصولاً الى الحياة الاجتماعية ، فقد أراد وبشكل ذكى التأكيد على أن علاقة الأدب بالحياة بصفة عامة علاقة وثيقة حتى وإن كانت تشهد فترات شد وجذب الا أن الادب يظل فى نهاية المطاف هو المرآة التى تعكس كل شئ فى هذا العصر أو ذاك وفى هذه الحقبة الزمنية أو تلك .
النقاش الذى دار بين العادلى والمسلمانى من ناحية والحضور من ناحية أخرى فتح افاقاً ارحب لموضوعات فى منتهى الاهمية اعتقد أنها ستكون عناوين لندوات قادمة بمركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية ، ولكن تبقى مسألة اختيار الحضور أمر حتمى وفى منتهى الأهمية فوجود شخصيات مهمة مثل صديقى الكاتب الراقى ماهر حسن وعشرة العمر طارق الطاهر وصديق الأيام الحلوة والزمن الجميل المبدع أحمد الجعفرى والاديبة الراقية نوال مصطفى الى جانب شخصيات كثيرة اخرى قد جعل للندوة مذاق جميل يفوح برائحة الحب ، فقد كانت الندوة على هذا النحو من الرقى تمثل وبكل صدق حالة حب عشناها جميعا ، حباً فى غد مشرق لوطن عزيز وغال على قلوبنا ، فـ”المحروسة” تستحق ان تكون فى مكانة أفضل على كافة المستويات.