أحمد محمد صلاح يكتب : علي باب مصر الإمام محمد عبده
قد يسال البعض نفسه... هل كانت مصر دون عقل حتى جاء محمد علي؟
قد يسال البعض نفسه… هل كانت مصر دون عقل حتى جاء محمد علي؟
سؤال يستحق الكثير من التأمل، فليس من الطبيعي أن تكون مصر حتى عام 1805 خالية من العلماء والمفكرين، ولكن كل ما في الأمر، أن مسائل إعمال الفكر كلها كانت بيد الأزهر ورجال الدين، وانحصر فكر المصريين في تلك الفترة على العيش في ظل حكم المماليك، الذين كانوا وبال مصر الحقيقي، على الرغم من العمارة التي خلفوها ورائهم، إلا أن تلك العمارة… فقط… كانت لمجرد الأبهة.
ونعود إلى تكوين الفكر المصري المصري، فبعد مجيء محمد علي جالسا على كرسي الحكم، وبعد الومضة العلمية والثقافية التي خلفتها الحملة الفرنسية، وجد محمد علي في مصر مخزنا ضخما للثروات، وكذا للوطنية، فلعب علي الفكرة الأخيرة، بعدما استطاع أن يدرك أن المصريين يقدسون أرضهم وشرفهم وعرضهم، ومن هنا أنشأ الجيش الوطني، وأرسل البعثات العلمية، وغيرها من إنجازات هذا الرجل.
ويظهر على سطح الفكر المصري إمام مجدد مثقف إصلاحي، هو الإمام محمد عبده، والذي تحل ذكرى وفاته في الحادي عشر من يوليو 1905، ذلك الرجل الذي تتلمذ على يد جمال الدين الأفغاني، وشارك معه في باريس في إصدار صحيفة العروة الوثقى، بعد نفيه في أعقاب الثورة العرابية إلى بيروت ومنها سافر إلى فرنسا ليلحق بأستاذة الأفغاني.
ويعود الإمام محمد عبدة مرة أخرى إلى مصر بعد وساطة سعد زغلول للخديوي توفيق الذي اشترط عدم اشتغال الإمام بالسياسة، وهذا ما حدث، فكانت له عدد من الفتاوى الإصلاحية الهامة، صحيح أن 80 % من تلك الفتاوي كانت خاصة بالمعاملات المالية، إلا أنه له العديد من الفتاوى الجريئة منها تحليل التصوير والنحت، ولكن الأهم من ذلك هي محاولاته لتجديد الأزهر بعدما أصبح في عهد الخديوي عباس الثاني أحد أعضاء مجلس إدارته، فكان يري الإمام أن من أسباب الجمود الفكري عامة هو جمود الأزهر، وقال جملته الشهيرة “إن بقاء الأزهر متداع على حاله محال، فهو إما أن يعمر، أو أن يتم خرابه”.
سافر محمد عبده إلى باريس بعد أن أنتهي تحكم الكنيسة في مقدرات الأوروبيين، وكانت السمة العلمانية قد بدأت تصبغ الحياة الأوروبية، فشاهد محمد عبده أوجه التقدم والمدنية والتطور اللذين بدا يسريان في أوصال الحياة الأوروبية كلها، فأدرك أن التطور العلمي، وملاقاة المدنية، يمكن أن يكون خارج عباءة الدين، فكان فكره الإصلاحي قائما على أسس مدنية، وأول فكره أن يأخذ بالأسباب، وهي قاعدة فقهية قد نسيت في عصره، ولكن الرجل استطاع أن يعيدها إلى دائرة الضوء مرة أخرى، الأخذ بالسباب وليس إرجاع الأشياء إلى أمور غيبية
وكان من أهم آراء الإمام محمد عبده قوله بخصوص السلطة السياسية “إن الحاكم ليس له سلطة دينية فيحكم على عقائد الناس بالفساد أو الصلاح، كما كان يفعل الباباوات في أوروبا، وإنما الحاكم سلطته مدنية ويحكم بالشرع الإسلامي كسلطة تنفذ هذا الشرع”.