مقالات الرأى

أحمد محمد صلاح يكتب : علي باب مصر (أحمد أمين)

0:00

بدأت علاقتي بكتابات أحمد أمين منذ أن وقع يدي علي مؤلفه “فجر الإسلام” كان الكتاب مطبوعا في مكتبة الأسرة، وكنا في فترة مهمة من فترات الوطن، فترة التسعينيات، ونار الإرهاب تستعر في عدة مناطق، فكان اختيار هذا الكتاب بأجزائه ليطبع مدعوما من الدولة ليكون إحدى الأدوات الناعمة في تلك الحرب.
كنت في وقتها بالجامعة، أدرس بكلية الحقوق، ولم يكن علي أيامنا مذكرات أو ملخصات إلا قليلا، فكانت المادة الواحدة ثلاثة كتب، كل كتاب لا يقل عن الألف صفحة ولا بد من أن أذاكر كل ذلك في ثلاثة شهور فقط، فضلا عن بقية المواد، ولكنني كنت دائما ما استفتح المذاكرة والتي تبدأ في السابعة مساء حتى أذان الفجر، بقراءة ما تيسر من الكتب أو الروايات، فكان كتاب فجر الإسلام لأحمد أمين أحدهم، وأظن أنه كان إحدى المرجعيات لدي، خصوصا عند دراستي للشريعة الإسلامية.
كان أحمد أمين من ذلك النوع من المثقفين الذين حصلوا علي اللقب بعد جهد حقيقي، فعندما قرأت سيرته، وجدته بالفعل بدأ السلم من بدايته، فهو أزهري النشأة، ثم عمل بالقضاء الشرعي، لذلك اتسمت كتاباته بالطابع الدينب، ولكنه في الوقت ذاته مثقف عصري، كتب في موضوعات شتى ومختلفة منها علي سبيل المثال قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية، قصة الفلسفة الحديثة، كتاب الخلاق، كما ترجم من الإنجليزية كتاب مبادئ الفلسفة لرابوبورت، جمع مؤلفاته في موسوعة من 10 أجزاء أسماها فيض الخاطر.
قام بالتدريس في كلية الآداب عام 1926 بعد إلحاح صديقة الحميم طه حسين/ وأصبح عضو بالمجمع العلمي بدمشق، وعضوا بمجمع اللغة العربية بمصر، بالفعل نحن أمام أزهري من نوع خاص فقد أتقن الشريعة والفقه واللغة والآداب والفلسفة، وأصبح مثقفا ليبراليا عصريا متنوعا، واشتق لنفسه أسلوبا متميزا سهلا في الكتابة، كتب بغزارة مثيرة للدهشة، فقال في مذكراته “حياتي” كانت الكتابة بالنسبة إلى كيفما أقبل عليها كتسلطنا كما يشعر مدمن الدخان أو الخمر.
خاض أحمد أمين في سبيل معركة التجديد غمار معركة اللغة، تجديد اللغة العربية وتطويرها وجعلها أكثر قدرة على التلاؤم مع العصر، كانت اللغة في تلك الفترة شديدة التعقيد، وكان الأزهريون متمسكين بمثقال الألفاظ، مما جعل الناس تنفر من تعلم أصول النحو والصرف، وأصبحت الكتابة فوق قدرة القارئ العادي على الفهم، فخاض محاولة استهدفت تحرير اللغة العربية من ربقة الماضي، وحاول اصطناع لغة خالية من الإعراب والألفاظ الضخمة ، فكان أن كتب قاموس العادات العادات والتقاليد والتعابير المصرية.
ولكن المشروع الأكثر أهمية تأسيسه للجنة التأليف والترجمة والنشر ورئاسته لهذه اللجنة أكثر من ثلاثين عاما، أصدر خلالها حوالي ثلاثمائة كتاب في مختلف فنون العلوم والمعرفة، أما المشروع الثاني الأكثر أهمية فهو محالة تأسيسه للجامعة الشعبية عام 1945 في العديد من المدن والقرى أمام عامة الناس.
إن الكاتب أحمد أمين مثال للمثقف المحترف، استطاع بدأب المثقف الصادق الليبرالي العصري، أن يجمع ما بين دراسته الفقهية وقرأته في مختلف العلوم، صحيح أنه لم يتلق تعليمه خارج مصر مثل طه حسين أو قاسم أمين، ولكنه استطاع أن يضع العقل المصري عند عتبات النور مثله مثل كل هؤلاء العظام الذين نكتب عنهم، ما زال في جعبة مصر الكثير

زر الذهاب إلى الأعلى