أحمد فرغلي رضوان يكتب : سكورسيزي يعيد اكتشاف تاريخ العنصرية
فيلم طويل وثقيل بأحداثه الدرامية المؤلمة و المؤثرة ولكنه عمل جيد جدا وممتع من المخضرم سكورسيزي يعيد معه اكتشاف تاريخ قديم للعنصرية الأمريكية، ضد السكان الأصليين من الهنود الحمر و تحديدا قوم “أوساج” والذين أصبحوا بين يوم وليلة من أثرياء الولايات المتحدة بسبب اكتشافات البترول بأرضهم في عشرينيات القرن الماضي مما حرك ضدهم جرائم عنصرية من السكان البيض وصلت للقتل وكادت أن تنهي حياتهم بما يشبه الإبادة الجماعية ! قبل أن تذهب واحدة من أبناء تلك القبيلة المسالمة والتي تعيش في هدوء وتلتقي الرئيس الأمريكي الذي يكلف مكتب التحقيقات الفيدرالي لبدء التحقيق في جرائم القتل.
فيلم killers of the flower moon عن أحداث حقيقية حدثت في عشرينيات القرن الماضي لقبيلة اوساج ومأخوذ عن كتاب بنفس الاسم تأليف الصحفي ديفيد جران وكتب السيناريو اريك روث الحاصل على الأوسكار.
سكورسيزي رغم طول مدة الفيلم لأكثر من ثلاث ساعات نجح في تقديم سرد جيد لكيف حدثت تلك الجرائم ضد قبيلة اوساج ومن وقف وراءها وخطط من الأمريكان البيض وبالطبع يدين الفيلم تلك الجرائم وكأنه يعيد اكتشاف العنصرية الأمريكية الأصيلة قبل مائة عام ! ومن بين ما كشف السيناريو رغم امتلاك لقبيلة اوساج الأرض والثروة البترولية إلا أن الحكومة فرضت عليهم وصاية حيث يجب على أي فرد منهم الذهاب وأخذ إذن بصرف جزء من الأموال من إدارة المدينة من الأمريكان البيض بعد سؤالهم ! في مشاهد وثقت تاريخ العنصرية ضد هؤلاء القوم.
الصورة هي الأكثر تميزا في العمل وكأن سكورسيزي أراد رسم لوحات فنية لتلك الفترة بكل تفاصيلها من ملابس وسيارات وأماكن، عموما الفيلم تجربة سينمائية كبيرة ويستحق سكورسيزي التقدير عليها وأنه لا يزال يعمل بكل حب لمهنته ويبدع من جديد وهو في هذا العمر ” 80 سنة” ومعه فريق عمل مهم سواء كاتب السيناريو اريك روث أو المصور رودريجو بريتو أو المونتيرة المخضرمة ثيلما سنوميكر الحاصلة على ثلاث جوائز أوسكار .
منح المخرج القدير فرصة كبيرة لتألق الأبطال الثلاثة بشكل لافت جدا، وكان بينهم سواء روبرت دينيرو و ليوناردو دي كابريو أو بين ليلي جلادستون وديكابريو، ثنائيات في مشاهد حوارية كثيرة جعلتهم يقدمون أداء ممتازا وصولا لمشهد النهاية ويعتبر من أكثر مشاهد النهايات إبداعا وابتكارا هذا العام حيث قدمها بشكل بث إذاعي مباشر فوق المسرح وظهر خلال النهاية سكورسيزي في شخصية مذيع للحفل يروي نهايات الشخصيات، يبدو إنه أخرج الفيلم في أجواء هادئة ودون ضغوط وترك خياله يبدع كثيرا .
ولكنه كان يستطيع أن يقلل من مدة الفيلم لأنه بالفعل طويل جدا بإجماع الآراء وسوف تشاهد وأنت في قاعة العرض جمهور بتعجل النهاية !
السيناريو أستغرق وقت طويل في تصوير جرائم القتل والفلاش باك الخاص بها وكذلك التحقيقات مع المدانين ! وأهمها كان مشهد المواجهة بين ليلي جلادستون و ليوناردو دي كابريو عندما اكتشف أن العم الثعلب العجوز استخدمه لمحاولة القتل البطيء لزوجته وتفوقت في هذا المشهد ليلي بشكل رائع.
يقدم روبرت دينيرو وليوناردو دي كابريو ثنائية مميزة جدا في هذا الفيلم من خلال أداء ممتاز لهما كنت أنجذب بشدة لأداءهما في أكثر من مشهد.
روبرت دينيرو في شخصية العم الثعلب العجوز الذي يخدعك في بداية الأحداث بوجهه البشوش والطيب و ليوناردو ديكابريو الشاب الساذج والذي يسيطر العم على تفكيره ويتحول إلى ذئب مطيع ينفذ تعليماته بإنصات تام لدرجة ارتكاب جرائم قتل!
دينيرو يقدم واحد من أفضل أدواره على الإطلاق ما بين الغموض في الشخصية إلى الوضوح والكشف عن العنصرية في النهاية قدم شخصيته ببراعة كبيرة.
البطلة ليلي جلادستون أفضل أداء نسائي شاهدته في عام 2023 صدقت أنها تحتضر ومريضة بالفعل ! قدمت أداء مذهل وتنوع في المشاعر ما بين الألم والخسارة والقلق ، الجمهور تعاطف معها لدرجة سمعت بعض أصوات الجمهور حولي تتمنى ألا تموت ويريدونها تنتقم! بالطبع ستكون ليلي جلادستون من أقوى المرشحات لجوائز الأوسكار القادمة.
الفيلم ملحمة أمريكية عن الضحايا من قبيلة اوساج السكان الأصليين الهنود الحمر والمؤامرات والعنصرية الكبيرة التي تعرضوا لها وسط صمت هائل ، الفيلم بمثابة مواجهة قوية مع جزء أسود من تاريخ الولايات المتحدة.
أخيرا شكرا سكورسيزي.