أحمد زحام يكتب : كاتب أدب الأطفال كامل الكيلانى وأنا
طاب لى أن أقدم شهادتى عن كامل الكيلانى .. أندرسون مصر إن جاز التعبير .. رائد الكتابة للاطفال ، وفاتحا لبابها الذى دخل منه بعده كتاب وكتاب .. حتى امتلأت الحياة الأدبية بهم وأصبح إحصائهم بالصعوبة ..وخاصة فى ظل انفراجة النشر ووسائل الإعلام المختلفة من مطبوع ومرئى ومسموع وإن كنت واحد منهم .
عندما كتب كامل الكيلانى للأطفال لم تكن تتوافر فى مصر ولا فى أى دولة عربية أخرى أية معلومات علمية أو دراسات أو بحوث عن اهتمامات الأطفال وحاجاتهم النفسية فى مختلف المراحل والأعمار ، فكان عليه أن يفعل ذلك وحده , غير حالى وحال جيلى من كتاب أدب الطفل فقد عشنا فى عصر الكتاب وزخمه , وما ورثناه من أجيال تلت كامل الكيلانى حيث عقود النهضة من عقد الستينيات وما تلاها , فوجدت البحوث و الدراسات والمعلومات العلمية حول مختلف الجوانب السلوكية والتربوية للأطفال , وكذلك الموضوعات والمواد والأشكال والشخصيات التى يفضلونها .. فكنا أكثر حظا ولم نكن اكثر أدبا .
لا أذكر ولا يذكر أحد من جيلى أنه لم يتلق أجرا عن كتابته للأطفال ، فأنا كاتب محترف للأطفال .. أرتزق مثل غيرى منه ، حتى باتت الكتابة للأطفال أكثر ثراءا من الكتابه للكبار ، وأصبحت هناك عبارة جديدة فى قاموس اللغة هى “الكاتب المحترف” وهى المضاد لكلمة “الكاتب الهاو” فأصبحت الكتابة حرفة مضافة إلى بقية الحرف كحرفة النجارة والحدادة , لكن كامل الكيلانى وهو على فراش المرض قال: ” ها أنذا أموت .. واكتب عنى أنى لم أنل كلمة تقدير واحدة ولم أنل جائزة ولم أقبض مليما واحدا مكافاة لى طول حياتى” عندما قرأت هذا عنه اندهشت لما قاله خاصة أنى رأيت مدرسة باسمه بباب الخلق , كما أخبرنى أحد الأصدقاء أن هناك شارعا باسمه فى أحد شوارع شبرا ، وزالت الدهشة وغادرتنى عندما عرفت أن هذا لم يحدث إلا بعد وفاته ، ولكن هل ما زالت المدرسة باسمه حتى الآن ؟! مجرد سؤال سأبحث عن إجابته بنفسى لمعرفتى برؤساء الأحياء بحكم وظيفتى علهم يعرفون .
كان لكامـل الكيـلانى عادة غـير عادتى وإن اتفقــت معه فى حـب الكتاب ، فكان هـذا الحب له هياما ولى رغبة ، وحب تملك الكتاب عنده سببه فجيعته فى أصدقاءه عندما يأخذون كتبه ، ويسـتأثرون بها فلا يعــيدونها إليه مما جعله يأخذ ما فعله جحــا مثـالا وقدوة يقتدى بها ويعــتذر لكل صديق ليتخلص من إعارته أى كتاب يطلب فيقول له : “إن هذا الكتاب رخيص الثمن فما أيسـر عليك أن تشتريه” وإن كان ثمنه فادحا يقول له: “ما أجـدرك أن تـتركه لى ، ولا تفجـعنى فيه ، فليـس فى قدرتـى أن أشـتريه مرة أخرى ، ولست أستطـيع أن أستغنى عنه يوما واحدا” ومن طرافة الأمر أن الكتب نما عددها وتكدسـت حتى أنه كان يفـضل فى بعض الأحيـان أن يشـترى الكتـاب الذى تعرض إليه حاجته ، على أن يبحث عنه بين تلك الأكداس .
وعرفت أصدقاء لى كثر عندهم هذه العادة ، وحيث أننى غير كامل الكيلانى نشأت فى أسرة فقيرة لا أقوى فيها على شراء الكتاب رخص أم فدح ثمنه , فأذهب إلى أصدقائى الكامليون فى عاداتهم فأجلس فى بيتهم أقرأ الكتاب مرة على السطوح وأخريات فى الشرفة أو فى الحديقة .. وعندما أصبحت بفعل الزمن قادرا على شراء الكتاب الذى أحبه عرفت لماذا كان كامل الكيلانى يفعل ذلك ، فأصدقائى يستعيرون الكتاب منى ولا أراه مرة ثانية ، وإذا طلبته منهم كانوا يقولون : غدا سآتى به وكان غدا هذا لا يأتى ، وكان هذا يفجعنى كثيرا خاصة أنى لم أكن قد أكملت قراءته أو لم أقرأه بعد وخاصه إذا كنت لا أقوى على شرائه مرة أخرى أو يكون قد نفذ من السوق , حتى أننى أتذكر صاحب لى أخذ منى جزئى الحملة الفرنسية على مصر لعبد الرحمن فهمى وكان الكتاب مصدرا لى فى كتابة رواية للأطفال عن الحملة الفرنسية حيث استهوتنى طريقة كتابتة وإن اختلفت معه ، وكدت أبكى وأنا أتودد إليه كى يعيد لى الكتاب الذى أطاح بالرواية ولم أكملها حتى الآن لضياع أوراقها بمرور الزمن وضياع الكتاب وفقد الرغبة فى البحث عنه ، ساعتها قلت : كم كنت محقفا يا كيلانى.
لا أعرف لماذا أنا مستمر فى رؤية ما يفعله كامل الكيلانى وما أفعله أنا.. وأنا لا أظننى أستحق أن أقف على بابه وإن كنت من مريديه باعتباره شيخ قبيلة كتاب الطفل فقد استهوتنى عاداته وتقاليده لبساطته فى سرد حياته , اذا تحدث فعندما يتحدث عن أوقات الكتابة فنجد أن ليس له وقت خاص يكتب فيه ولا مكان خاص ولا طريقة خاصة ويقول : إن خير الأوقات التى تحلو لى فيها الكتابة هى الأوقات التى أشعر فيها بأن صحتى أحسن وكثيرا ما يحلو لى أن أكتب ليلا شريطة أن أضطر إلى الكتابة إضطرارا ، ولست أتعب فى كتابة الموضوع ، وإن كنت أتعب فى التفكير فيه قبل كتابته ، وربما لازمتنى الفكرة أشهرا ، وإن لم أقل سنين ، وأنا لا أجد الفرصة لكتابتها ، ولست أكتب إلا فى آخر الوقت ، ولا يعوقنى أن أكون جالسا بين أولادى وزوجى فى أثناء الكتابة ، وربما أنصت إلى حوارهم اللذيذ فى بعض الفترات التى أستريح فيها من الكتابة وقد أقص عليهم قصة قصيرة أو أشاركهم فى حوارهم ثم أعود إلى الكتابة ، وليس يعوقنى عن الكتابة أن يتكلم بجوارى ألف شخص ولكن الصياح أو الصراخ هو الذى يزعجنى ، ويقطع على تفكيرى .. أذكر ما قاله كاتب الاطفال الكبير سمير عبد الباقى ذات يوم تجالسنا فيه بمجلة الأطفال علاء الدين وتحدثنا عن أوقات الكتابة فقال لى : أنه تعود على الكتابة فى وقت معين فهو قد اعتاد أن يذهب إلى مكانه الخاص داخل بيته حتى لو لم تكن هناك فكرة ما للكتابة تراوده فأخبرته أنى على شاكلة كامل الكيلانى لا مكان خاص اكتب فيه ولا طريقة خاصة ولا أكتب إلا فى آخر الوقت مضطرا ، وأذكر أنى عندما كنت أكتب سيناريو شخصيه قطرالندى لمجلة قطرالندى التى تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة بشكل دورى عندما كان الفنان عبد الرحمن نور الدين رئيسا لتحريرها , كنت أغادر مدينة السويس مكان عملى حيث أعمل مديرا عاما للفرع الثقافى وأسافر إلى بورسعيد ظهرا كى أكتب السيناريو فى بيتى حيث يطيب لى الكتابة , وأعود صباح اليوم التالى إلى عملى وكثيرا ما كان يطيب لزوجتى أن تحدثنى عن مشاكل وهموم البيت وأنا أكتب فلا أنتبه , لأن ما اكتبه قد أخذنى منها وسيطر على وتملكنى فلا أقدر على الفكاك منه إلا وأنا قد أنهيت آخر ما تبقى فى فكرى ، فألاقيها مستريح البال ، هادئ الأعصاب ، فرحا بإتمام الكتابة ، مستبشرا خيرا بما قدمته من حلول ، ناسيا ما أخبرتنى به ، حتى أنها أخبرتنى يوما أنها تعتقد أنى أهرب من حديثها بالكتابة ولن تغضب من ذلك إن كان هذا نفعا لى فالكتابة عندها مال للبنين .
ولأنى تعلمت من كامل الكيلانى الكثير فى فن الكتابة للأطفال أتذكر أنى حاكيته فى الكتابة ، وأذكر بيتين من الشعر له فى أنشودة تحية اللقاء :
هل تعلمون تحــيتى عند الحضور اليكم
أنا إن رأيت جماعة قـلت السـلام عليـكم
وإعمالا لمبدأ أن القراءة تعلمنا الكتابة ، فقد استوحيت من البيتين كتابة قصة قصيرة حيث كنت أكتب حكايات صغيرة عن طفلة صغيرة اسمها حصة لمجلة أحمد التى تصدر فى جمهورية لبنان , وكنت فى هذا الوقت عندما أتعب من الكتابة أو يتوقف قلمى عن السير على سطور الورقة أفعل شيئا آخر غير الكتابة بأن أتصفح كتاب من مكتبتى مثلا أو أصلح شيئا داخل البيت يراد إصلاحه ، فتأتينى بقية فكرة الكتابة التى توقفت عنها فأعود إليها .. ووقعت بين يدى أشعار كامل الكيلانى وقرأت هذين البيتين صدفة دون غيرهما حيث كنت لا أقرا بالمعنى بالمفهوم فأوحت لى بحكاية لحصه وخلاصة الحكاية تقول :
حصة بنت تحب أن تساعد أم حصة
ذات يوم قالت أم حصة :
– حصة هل لى من مدق جارتنا أم سعاد
أدق به الأرز واللحم .
ذهبت حصة إلى أم سعاد وأحضرت المدق
قالت الأم :
– هل قلت لها : السلام عليكم
فقالت حصة :
– وهل كانت ستعطينى المدق إذا لم ألق عليها تحية اللقاء.