مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب: الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الشامل

0:00

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ولا صوت يعلو فوق صوت معركة الإصلاح الاقتصادي والتعويم والصفقات الاستثمارية الضخمة والتدفقات المالية الكبيرة المعركة كبيرة والأصوات كثيرة ومتسارعة ومتداخلة والكل يتحدث بفهم ومن غير فهم ومنصات التواصل الاجتماعي أصبحت كسوق عكاظ كل  شاعر يلقي قصيدته الاقتصادية ويرمي بها في بوست مكتوب أو مداخلة تلفزيونية في برامج الموالد الليلية الكبيرة والكثيرة أو كأنك ترى معركة كبيرة من معارك الكر والفر بين الحكومة وبين خبراء الاقتصاد بالنهار الحكومة تصدر مجموعة من القرارات والتصريحات وتلقي بسهامها تجاه الجميع الشعب والخبراء وبالليل يقوم الخبراء بالرد والتحليل والتفنيد والترجمة لقرارات الحكومة معركة سلاح الحكومة فيها قرارات وتوصيات وتوجيهات وسلاح الخبراء والمختصين كلام ونظريات واجتهادات وسلاح الشعب أحلام وأمنيات وما بين هذه الأسلحة الكثيرة في المعركة المتزاحمة بين كل الأطراف نرى أن طرف الحكومة لا ينصب اهتمامه سوى على معركة الإصلاح الاقتصادي فقط وهي الشغل الشاغل في الوقت الحالي مع أن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يكون ركن من أركان حركة إصلاح شاملة يجب أن تقودها الحكومة وتقدمها للشعب وللرأي العام يتحدث الجميع منذ فترة طويلة عن ضرورة الإصلاح الاقتصادي وتحدث رئيس الوزراء عند توقيع صفقة رأس الحكمة عن تعديل المسار الاقتصادي خلال الفترة القادمة ولم يتحدث عن مشروع إصلاح شامل أو حتى عن بقية مراحل الإصلاح الأخرى والتي لا تقل في أهميتها عن الإصلاح الاقتصادي بل يكاد الإصلاح الاقتصادي المنشود لن ينجح بدون أن تسير معه منظومة الإصلاح الكاملة والشاملة حتى نخرج بإطار عام ومنهج متكامل للدولة المصرية من الممكن أن يؤدي بنا في النهاية إلى تحقيق عناصر النهضة والنجاح المتكامل .

 لم تتحدث الحكومة عن مسارات إصلاح التعليم وهو لا يقل أهمية وخطورة واحتياجا للدولة المصرية عن الإصلاح الاقتصادي حتى وإن كان الإصلاح الاقتصادي لن يؤدي الغرض المنشود منه ولن يحقق الأهداف الموضوعة له ما لم يتكامل معه مشروع إصلاح تعليمي حقيقي وتنموي ينقل مصر من مرحلة العشوائية في التعليم إلى مرحلة التعليم العالمي المبتكر والحديث والذي يقوم على أسس علمية وتعليمية حقيقية ومن خلال خطط واضحة المعالم ومحددة التنفيذ تصل بالطالب المصري إلى المخرجات العالمية الحقيقية والتي بذلك تكون ركيزة أساسية وحقيقية في عوامل النهضة والبناء والتنمية والاستثمار في مسيرة الدولة المصرية ولن يتحقق ذلك إلا بجعل تطوير التعليم هو المشروع القومي الأول للدولة المصرية وإذا لم يتحقق ذلك فبكل صراحة ووضوح نحن نسير في اتجاهات خاطئة ونؤسس على مقدمات خاطئة ومن المستحيل أن تؤدي المقدمات الخاطئة إلى نتائج صحيحة .

لم تتحدث الحكومة في معركتها مع الإصلاح الاقتصادي وفي إطار الإصلاح الشامل عن ضرورة وأهمية الإصلاح الثقافي في مصر فلا يكفي أن تتم إدارة الثقافة المصرية بنظرية الاجتهاد من أهل الثقة في وقت نرى أن معركة الثقافة والفن والقوة الناعمة من خلال الإطار الإقليمي قد أخذت منهجا قويا وعنيفا في محاولات كبيرة لتغيير مجرى نهر الثقافة العربية وتحويل المنبع إلى مسارات أخرى غير مسارات الدولة المصرية العريقة والرائدة مع أننا نملك جميع المقومات الأولية والأساسية لصنع ثقافة عربية راسخة وأصيلة ولكن من الواضح أن حالة الوهن والضعف الاقتصادي قد تسربت لبقية شرايين وأوردة بنية القوة الناعمة المصرية ولا يمكن أن يكون هناك إصلاح اقتصادي حقيقي يعود أثره على الوطن والمواطن بدون أن يكون هناك إصلاح ثقافي حقيقي واضح ومحدد ومعروف يسير في إطار تكاملي مع مسارات الإصلاح الشامل في الدولة المصرية

لا يمكن أن يكون هناك إصلاح اقتصادي حقيقي مالم يكن معه ويرافقه إصلاح ديني حقيقي لكل المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية في الدولة المصرية إصلاح شامل حقيقي يقتحم الموروثات والكيانات والمؤسسات والأفكار والخطابات بكل جرأة ووضوح وشمولية ويقدم تصورات عصرية حديثة تناسب الفكر المنطلق والمتدفق والمنفتح على آفاق ومعارف وثقافات العالم المختلفة والمتعددة وتناسب مخرجات العصر الحديث من تكنولوجيا وذكاء اصطناعي وأدوات عالمية متعددة لا يمكن أن نسير في اتجاه إصلاح حقيقي وبقية الاتجاهات الدينية أصبحت قديمة بالية وغير مناسبة للعصر الحالي فخطاب التكنولوجيا والانترنت والذكاء الاصطناعي والعالم المنفتح بدون حدود ومن هواتف صغيرة لا يمكن أن يتناسب معه خطاب تقليدي كلاسيكي يعتمد ويقدس الإطار أكثر ما يعتمد ويقدس الفكر والمضمون وما كان يصلح في الماضي لا يمكن أن يصلح في العصر الحالي .

لا يمكن أن يحدث إصلاح اقتصادي حقيقي مالم تكن معه منظومة صحية حديثة ومتكاملة تحافظ على صحة المواطن في مصر وترحمه من التجارات التي يعيش فيها حينما يمرض نعم قدمت الدولة مشروع التأمين الصحي الشامل ولكن مخططات تنفيذه حتى يكتمل في كل المحافظات بعيدة وطويلة وإن كنا نتمنى أن توفر الدولة الموارد المالية الكافية حتى يتم ضغط مدة تنفيذ مشروع التأمين الصحي في المحافظات إلى سنوات قليلة حتى يشعر المواطن بأهميته وقيمته عند طلب الخدمات الطبية.

مشروع الإصلاح الشامل في كل مجالات الدولة هو المشروع الذي يجب أن تقدمه الدولة للمواطنين وللرأي العام ومن خلال خطط واضحة ومحددة ومن خلال خبراء يقومون على وضع هذه التصورات والمشروعات قيد التنفيذ والتحقيق ومن خلال استراتيجية مصرية واضحة المعالم ومحددة الأهداف حتى وإن تغير الأشخاص يظل المشروع المصري للإصلاح الشامل هو المخطط العام للدولة المصرية

زر الذهاب إلى الأعلى