مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : مرارة السلام في إسرائيل

لم تترك إسرائيل فرصة إلا وتحدثت عن تطبيع العلاقات مع السعودية، أحيانا تشير إلى صعوبات ثم العكس أي بوادر بقرب توقيع اتفاق، وطبيعي أن يستغل بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي فرصة لقائه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن ليركز على موضوع التطبيع.

وتحدث الإعلام العبري عشية اللقاء عن مناقشات سعودية أمريكية لتشكيل تحالف دفاعي مشترك على غرار الاتفاقيات الأمنية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن أمريكا تلتزم بموجب التحالف الأمني بتقديم المساعدة إذا تعرضت السعودية لهجوم على أراضيها، وأضافت أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يرى التحالف الدفاعي مع أمريكا باعتباره العنصر الأكثر الأهمية في المحادثات مع إدارة بايدن بشأن التطبيع مع إسرائيل.

هذا الكلام مردود عليه بتوقيع السعودية وإيران اتفاق استئناف العلاقات ودخوله حيز التنفيذ بتبادل السفراء. فالسعودية بمأمن عن أي هجمات تهدد أمنها القومي، فإيران كانت التهديد الوحيد للسعودية والمنطقة، ولكن استئناف العلاقات سياسيا واقتصاديا له مكافآت أمنية أيضا..فالاقتصاد تحول في العصر الحديث إلى القاطرة التى تقود العلاقات بين الدول. كما أن صفقة الأسرى مع الولايات المتحدة منحت إيران موضع متقدم أمريكيا ولم تعد العدو الأول للولايات المتحدة والمنطقة كما تحاول إسرائيل تصوير ذلك.

المؤكد أن الولايات المتحدة تتمنى وتسعى إلى ما تراه ” تعزيز التكامل الإقليمي لإسرائيل” باستكمال حلقة التطبيع مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية، ولكن الأمر الذي يمنع هذا الالتزام من التحقق حتى الآن هو عدم اعتراف حكومة نيتانياهو اليمينية بحل الدولتين واستمرارها في بناء المستوطنات.

إسرائيل لم تقدم أي بادرة أمل نحو تحقيق المطالب العربية بحل القضية الفلسطينية، والأدهى أنها تصف تلك المطالب بأنها “غير واقعية”. فيكف يتجرأ الفلسطينيون بالمطالبة بنقل (المنطقة ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية إلى الدولة الفلسطينية العتيدة وكذلك الوقف الكامل للمستوطنات؟!

وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين أعلن أن “أمن بلاده فوق كل شئ وفوق أي اتفاق”، ما قاله كوهين يؤكد عدم نية تل أبيب توقيع سلام دائم وشامل مع الفلسطينيين، فإسرائيل تريد مضغ الحلوى فقط بدون خبز مر وموالح.

كما أعلنت إسرائيل تخوفها من البرنامج النووي السعودي وتحاول تحريض واشنطن على وقفه، فكيف تريد اتفاق تطبيع في ظل تلك المواقف غير المبررة.

ولكن بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فالأمور في إسرائيل تغيرت تماما، بل تبدلت، إثر حديث الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فهو أكد في حواره مع قناة “فوكس” نيوز أنه لا مشكلة للسعودية لتوقيع الاتفاق مع إسرائيل. فبعد أن استمر نيتانياهو والإعلام الإسرائيلي لا حديث لهما سوى قرب توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع السعودية، أصبح الحديث الآن عن شروط إسرائيلية قبل التطبيع.

وتغيرت لهجة نيتانياهو فهو عاد من اجتماعات الجمعية العامة شاهرا سيف النصر، فقد حصل على تطمينات أمريكية بالوساطة حتى يتم توقيع الاتفاق مع السعودية، ولكن الإعلام الإسرائيلي سواء بإيعاز من رئيس الوزراء أو من غيره، شن حملة مضادة ضد التطبيع بدون شروط مع السعودية، وكعادة هذا الإعلام وإسرائيل معا، تم الحديث عن ضرورة رفض المشروع النووي السعودي، وأن التطبيع معها لا يعني موافقة إسرائيلية على مشروعها، لأنه لا مكان لدولة نووية في المنطقة سوي لإسرائيل فقط.

شن الإسرائيليون هجوما حادا على الولايات المتحدة، بسبب موافقة الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، ومنها بدأ التسلح النووي في الشرق الأوسط في اليوم ، وهو ما شجع مصر مصر والإمارات المتحدة وتركيا، ونصل إلى مربط الفرس، فيقول الإعلام الإسرائيلي أن السباق الننوي يتصاعد حاليا أكثر إذا اتفقت الولايات المتحدة وإسرائيل، ضمن الاتفاق الثلاثي مع السعودية للسماح لها بتخصيب اليورانيوم على أراضيها.

وبدأت الشروط الإسرائيلية تتصاعد، وتم مطالبة الولايات المتحدة بإشراف صارم على أي منشأة نووية سيتم بناؤها في السعودية، أما لماذا هذا الشرط؟! فلكي يتم إيقاف تشغيلها بمجرد رغبة السعودية في إنتاج أسلحة نووية. يدعي الإسرائيليون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لا يخفي نيته الحصول على أسلحة نووية لموازنة معادلة الردع مع إيران، وأن هذه الرغبة هي أحد الأسباب الرئيسية لرغبته في التطبيع مع إسرائيل، بحيث ستفتح الباب أمام واشنطن لتكون حامية له بعدم الإضرار بالمنشأة النووية التي سيتم بناؤها في السعودية، من أي ضرر إسرائيلي على غرار ما فعلت إسرائيل وألحقت الضرر بالمفاعلات النووية في العراق وسوريا.

يضع الإعلام الإسرائيلي نيتانياهو أمام المرآة، حيث يزعم المحللون الإسرائيليون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيتغاضى عن القوة النووية المقبلة في المنطقة وهي السعودية، وبالتالي ستسمح إسرائيل لدولة آخرى نووية لتكون ندا لها مهما كانت بينهما اتفاقات سلام.

الهدف هنا تحريضى 100%، فكما أسلفنا وتطرقنا لتصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بأن إسرائيل لن تقبل أي ضرر بمستقبلها أو مس بأمنها القومي على اعتبار أن أي قوة نووية في المنطقة ستمس أمن إسرائيل، فإسرائيل هنا وعبر الإعلام – بوابتها الخلفية – تقول لأمريكا والعالم والسعودية أنه طالما يكون هناك اتفاق تطبيع فلن يكون من مستلزمات موافقة تل أبيب على أن يكون للسعودية مشروعها النووي. وكان نيتانياهو قد صرح لقناة “سي إن إن” بأن تخصيب اليورانيوم السعودي “أمر معقد”.

أما لماذا الأمر معقد كما أكد نيتانياهو، لأن إسرائيل تتبني ما تدعيه بـ”عقيدة بيجين”، ول تسمح بموجبها لأي دولة في الشرق الأوسط بإنتاج أسلحة نووية من شأنها أن تعرض وجود دولة إسرائيل للخطر. هذه العقيدة دفعت إسرائيل لخوض صراع صعب ضد نية إيران إنتاج أسلحة نووية، كما دمرت المفاعلات النووية بالعراق وسوريا. وهي نفس العقيدة التي يراها الإسرائيليون ضرورية ولا يجب التخلي عنها مهما كان الأمر، ولا يمكنها المقامرة بأمنها في كل ما يتعلق بالملف النووي.

وبديهي أن يرى الإسرائيليون أن “عقيدة بيجين” تنطبق على السعودية، وإنه ذا كانت نوايا السعودية صافية حقا، وهي تريد التطبيع مع إسرائيل فعلا، فلا ينبغي لها أن تشترط اتفاق التطبيع مع إسرائيل على حصولها على التكنولوجيا الأمريكية التي ستسمح لها بتخصيب اليورانيوم في أراضيها، أما إذا تم الاتفاق على التطبيع مع السعودية، فسيكون بأيادي “غير نظيفة” أي أن الذي سيوقعه من إسرائيل ستكون يديه غير نظيفة ومحل انتقاد من الدولة العبرية وليس محل افتخار وسعادة.

ويحذر الإعلام الإسرائيلي كل من سيسير نحو التطبيع مع السعودية، من مغبة توقيع الاتفاق متضمنا إنشاء المفاعل النووي السعودية. “فقد حان الوقت لكي تستيقظ إسرائيل من هذه الأوهام وتنظر إلى الواقع القاسي مباشرة في أعينها”..هذه مجرد عينة بسيطة من تحذيرات الإسرائيليين لنيتانياهو.

ويبدو أيضا أن المؤسسة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعارض بشدة إمكانية موافقة إسرائيل على قيام السعودية بتخصيب اليورانيوم، وأن تكون قادرة مع مرور الوقت على تخصيب اليورانيوم إلى مستوى عسكري بنسبة 90٪ من أجل إنتاج أسلحة نووية. ويحذر هؤلاء المسئولين من موافقة إسرائيل على هذا الأمر سيكون “خطأ تاريخي ستدفع إسرائيل ثمنه غاليا جدا”.

لا يترك الإسرائيليون أي تفاصيل بدون بحث ونقاش وجدل، فهم يعتقدون أن العلاقات الجيدة بين السعودية وباكتسان النووية ستدفع الرياض للاستفادة من الإمكانيات والقدرات الباكستانية في إنتاج الأسلحة النووية وتزويدها بالرؤوس النووية.

وبمناسبة الحديث عن التفاصيل، أعاد الإسرائيليون المتشائمون من التطبيع بين السعودية وإسرائيل، الحديث عن واقعة مقتل الصحفي السعودي عدنان خاشقجي، وبالتالي لن يستطيع الرئيس الأمريكي جو بايدن مطالبة الكونجرس بالموافقة على المشاركة في إنتاج المشروع النووي السعودية، لأن أعضاء الكونجرس سيرفضون المشاركة في هذا المشروع بسبب واقعة خاشقجي.

ومن خاشقجي إلى التحريض على أمر آخر يرتبط بالحالة السعودية، فالسماح بمشروع نووي سعودي سيدفع إيران إلى الإسراع بتخصيب اليورانيوم هى الأخرى، ما سيضع المنطقة على المحك وشفا الدمار، على حد زعم الإسرائيليين، فلا أمان لهم سوي بمشروعهم النووي فقط، أما مشاريع أخرى فستكون خراب ودمار للمنطقة.

إجمالا.. لا تريد إسرائيل سلاما بالمنطقة، فأي سلام تراه مرارا بالنسبة لها، وأي سلام سينتقص منها حدوده

زر الذهاب إلى الأعلى