عبد المعطى أحمد يكتب: متى يعود الاستقرار للأسعار؟
بتوقيت مصر كلها، وليس بتوقيت القاهرة فقط تتوقف عقارب الساعة، ويجمد الزمان!
لم يحدث فى تاريخ مصر تراقص الأسعار لكل السلع جملة بهذا الشكل الجنونى.
مواد غذائية بأنواعها، مواد بناء,دهانات.كل ماتتخيله يباع ويشترى. كل ساعة بحال، وبسعرمختلف.
تاجر الحديد تطلب منه طن حديد يقول لك:أعطيك السعر بعد الرابعة عصرا!
تفاجأ فى الرابعة بزيادة السعرألف جنيه دفعة واحدة.شيكارة الأرز. جميع أنواع المبيعات بعد ساعة أو ساعات يختلف السعر ليس جنيها ولاعشرة بل عشرات، وربما مئات!
تلاحق الزيادات الهستيرية يشل العقل ويلجم التفكير. السلعة الواحدة بمائة سعر فى مائة مكان، ولارقيب أو حسيب، بل لاذمة ولا ضمير.
التاجر يماطل لأن الساعة تفرق كثيرا. يتضاعف السعر لسلع قديمة فيتصور نفسه خاسرا، برغم أن مكسبه تضاعف مرات. إنه الجشع المقيت, والمستهلك فقط هو الذى يدفع الثمن، وهو الذى وقع بين مطرقة انخفاض الجنيه لما يقارب النصف بعد تعويمه، وبين سندان جشع التجار الجنونى والمسعور الذى لايراعى حرمة.
ليس من المتصور صدور قرارات صعبة دون توقع عواقبها والتخفيف منها.
السداح مداح فى أقوات الناس لايجوز وليس مقبولا.
قرارات صعبة تستوجب سياسة رشيدة ومعالجة الآثار المترتبة قبل وقوعها واستفحالها.
الجميع يشترى الضرورى وبالقطارة فى انتظار المزيد من الزيادة الجنونية.
تتوقف حركة البيع والشراء فى حالة ترقب وانتظار.
متى تتحرك عقارب الساعة ؟ متى تدور عجلة الزمان؟ متى يعود الاستقرار للأسعار؟
• لعبة مكشوفة ومفضوحة تفعلها شركات السلع الغذائية على وجه التحديد باعتبارها السلع الأسرع دورانا واستهلاكا، وهى حجب السلع وعدم توريدها لسلاسل السوبر ماركت والهايبر وغيرها، انتظارا لتحريك أسعارها بالزيادة بحجة ارتفاع سعر الدولار، وبالتالى ارتفاع تكلفة استيراد السلع المستوردة، وتستغل المصانع المنتجة عدم وجود رقابة تذكر من الأجهزة الحكومية- وإن وجدت- فهى رقابة هشة وغير فعالة، بدليل أنك لو اشتريت سلعة –أى سلعة- واكتشفت عيبا بها وأردت إرجاعها أو استبدالها فلن تستطيع فعل ذلك، وسيرفض صاحب المحل أو التاجرقائلا لك:”اخبط راسك فى أحسن حائط!”، وأصبح الموظفون فى هذه الأجهزة يمثلون عبئا كبيرا على الدولة، ونخص بالذكر جهاز حماية المستهلك، وجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، والإدارة العامة لشرطة التموين بوزارة الداخلية، ومصلحة الرقابة الصناعية بوزارة الصناعة ومعها شقيقتها الهيئة العامة للمواصفات والجودة وغيرها من الجهات المعنية بالرقابة على جودة وسلامة المنتجات فى الأسواق وحماية المستهلك الذى أصبح يبحث فى كل مكان عمن يحميه من جشع التجار الذى لايتوقف!، وتقوم بعض الشركات المنتجة بضخ كميات ضئيلة جدا من المنتجات، وعلى مايبدو أن هناك اتفاقيات مستترة بينها لفرض الأسعار التى يريدونها لعلمهم بأن قانون المنافسة يجرم ذلك، ويظهر ذلك بوضوح شديد فى الشركات المنتجة للزيوت والبقوليات والمكرونات!
• فى الريف عندنا فى مصر يقولون:”لايوجد شىء إسمه فقر بل توجد قلة رأى”، وهذا المثل صحيح تماما, فنحن نعانى كسلا فى الارادة، خاصة بالنسبة للريف، حيث أصبح الفلاح المصرى يتطلع للسفر للخارج جريا وراء المال السهل، وهربا من الجهد الذى يبذله فى الأرض دون أن يجنى من ورائها شيئا يذكر، فالحقيقة أن الفلاح المصرى لم يعد يكسب كثيرا من ناتج زراعته، حيث يبيعها بأرخص الأثمان إلى التاجر الذى هو فى الحقيقة الرابح الحقيقى، وهو- أى التاجر- يأخذ من الفلاح فاكهة وخضروات بالملاليم ويبيعها بالجنيهات ويتحكم فيه تماما, وهذه هى الحلقة التى تحتاج منا – أوعلى الأصح من الدولة – إلى وقفة، فالتجار الجشعون يجنون كل شىء من المورد إلى المصب، من الفلاح وحتى المستهلك الذى هو الشعب, ولعلنا رأينا صورا من ذلك كثيرا، فالتاجر يشترى من الفلاح السلعة بنصف أوثلث الثمن التى يعرضها بها فى السوق دون رحمة. أخيرا أقول إن الفلاح المصرى فى حاجة إلى نظرة, وإلى تشجيع، وإلى إعادة زراعة جذوره فى أرض الوطن حتى لايتطلع إلى السفر سعيا وراء مال أو الهجرة إلى أوروبا عن طريق أبنائه ليعمل أى شىء، معرضا حياته للخطر فى مياه البحر القاتلة،ويبقى المثل المصرى صالحا لكل العصور:”ليس هناك فقر وإنما هناك قلة رأى”.