مقالات الرأى

عبد المعطى أحمد يكتب: تمضى الذكرى وتبقى العبرة

0:00

كلما مرت ذكرى السادس من أكتوبر 1973 يستعيد المصريون بطولاتهم التى سجلها التاريخ بأحرف من نور, , وطبعها كل مصرى أصيل على أرض مصر فى كل ربوعها, فجند مصر خير أجناد الأرض.
لم تكن البطولة لرجال القوات المسلحة فقط , ولكن لكل مواطن مصرى وقف خلف جيشه العظيم مساندا ومستعدا للتضحية.
كانت حرب أكتوبر من أجل السلام والنصر فيها متعدد الأبعاد , فقد أفقدت العدو توازنه فى ست ساعات كما قال الرئيس أنور السادات, وأعادت لنا سيناء, وصارت استراتيجيتها تدرس فى الأكاديميات العسكري العالمية.
نجح جيشنا فى استعادة أرض سيناء الطاهرة , وفى عقيدته القتالية النصر أو الشهادة, وكان كل ضابط وجندى يحمل سلاحه وقد أقسم ألا يتركه قط حتى يذوق الموت, فكل ضابط وكل جندى محارب يحمل السلاح فى يقينه أن الجندية شرف.
لم تكن البطولة حكرا على أحد, بل كانت لكل مصرى أصيل ينتمى لهذا الوطن, وسجلت البطولة لمن تواجد فى المكان والظرف والزمان , ولو تواجد مكانه أى مقاتل سجلت له البطولة.
فى جينات المصريين قيم لم تختل منذ فجر التاريخ , ومن هنا كان ثبات الدولة واستقرار حدودها منذ آلاف السنين, إن امتدت تعود إلى أصلها, وإن تجاوزها أى عدو فلايبقى له فيها إلا القبور بالتصدى له وإن طال الزمن, وهناك ثوابت وطنية لم ولن تختل لدى المصريين إلا من الدخلاء والغرباء وهم قلة , وتبقى الكتلة الصلبة والحاكمة والمتحكمة هى التى تهيمن وتسيطر , وهى ايضا التى تبقى وتحافظ على القيم الرفيعة التى حفظت وطنا لانملك غيره . تمضى الذكرى وتبقى العبرة .إن مصر هى الباقية إلى يوم الدين. تحية لأبطال قواتنا المسلحة ولكل من شارك فى صناعة هذا النصر.
سيناء هى القلب النابض والنور الإلهى, الذى تتدفق منه المشاعر المقدسة لتسرى فى دماء كل مصرى . هى الروح التى نحيا على كل حبة من رمالها الذكية التى ارتوت بدمائنا, سيناء الحبيبة التى نضحى من أجلها بأرواحنا والغالى والنفيس لتظل حرة أبية. أرض الفيروز أو شبه جزيرة سيناء بنسائها وأطفالها وشيوخها وشبابها, بل كل مصرى على أرض بلادنا مازال يتذكر- خاصة ونحن نحتفل بواحد وخمسين سنة لحرب أكتوبر- إبنه أو شقيق الشهيد أو حتى جاره الشاب الذى غمرت دماؤه رمال سيناء. حكايات كثيرة ترويها أم فقدت أولادها من أجل عودة سيناء لجسدنا المكلوم , تحكى عن فرحة النصر المختلطة بدموع فقد الابن الشهيد الذى أقسم بعودة سيناء لحضن الوطن, أقسم ومعه كل المصريين بأن تظل سيناء عقد الياقوت المحظور لمسه أو حتى الاقتراب منه.
تكشف الوثائق أن أشرف مروان خدع الاسرائيليين بمواعيد عديدة للحرب فى ابريل ومايو وأول أكتوبر, وكانت ضربته الكبيرة عندما استدعى رئيس الموساد ليلة الساس من أكتوبر للقاء فى لندن ليقول له:إن ميعادالحرب هو مساء الغد وليس ظهرا كما هو معروف, ومروان كان طعما مخابراتيا مصريا حركه الرئيس أنور السادات لتنويم القيادات الاسرائيلية وشل حركتها واستطاع إقناع تل أبيب بأن مصر لن تتخذ قرارا بالحرب إلى أن تحصل على طائرات تهدد العمق الاسرائيلى, وطبقا لمذكرات الجنرال الياهو زعيرا رئيس شعبة المخابرات العسكرية الاسرائيلية فإن مروان الذى كان سكرتيرا للرئيس أنور السادات أبلغ الموساد فى يونيو 1973 أن السادات قرر تأجيل الهجوم إلى نهاية العام, وأنه تعمد التأخير فى إبلاغهم ميعاد الحرب حتى آخر وقت ليلة الهجوم بعد فوات الأوان.
أفضل ما نقدمه فى احتفالنا بنصر أكتوبر العظيم هو أن نثبت لأنفسنا وللعالم أن تضحياتنا الهائلة من أجل النصرلم تحرر فقط الأرض, ولكنها حررت الإرادة واستعادت الثقة وفتحت كل الأبواب لكى نستأنف بناء الوطن الذى نحلم به, ولكى نزرع التنمية فى كل مكان, ولكى ندرك أننا قادرون على مواجهة كل التحديات, وان نقدم أفضل مالدينا عندما يواجه الوطن أى خطر أو تداهمه أى أزمة أو تستهدفه أى مؤامرة, وفى الذكرى 51 لنصر أكتوبر ستكون سيناء مرة أخرى شاهدا على أن من صنعوا أكتوبر قادرون على أن يصنعوا أكثر من أكتوبر, وهم يخوضون معارك التنمية والتعمير, وهم يبنون الجديد فى كل يوم, ويعرفون كيف يحمونه من كل الأعداء. سلمت مصر وهى تقاتل, وسلمت وهى تبنى, وسلمت وهى تنتصر هنا وهناك.
أقترح أن تتولى كل محافظة بالتنسيق مع وزارة الدفاع حصر من شاركوا فى حرب أكتوبر كمجندين من أبنائها, ويقوم المحافظون بتكريمهم خلال احتفالات أكتوبر القادمة سواء دفعة واحدة او على دفعات فى حضور ممثل القوات المسلحة بالمحافظة. إن شهادة تقدير ورقية تحمل إسم المجند, وتسجل مشاركته فى الحرب وإسهامه فى النصر, رغم أنها لاتكلف شيئا ماديا سوف تساوى الملايين عند كل من يفوز بها. هؤلاء المقاتلون كانوا البنية الأساسية البشرية للجيش الذى حارب وانتصر, ومن المهم أن نقول لهم فى حياتهم:شكرا لتكون رسالة لكل الأجيال من بعدهم, إن كل من خدم الوطن فى أى موقع وأى صف سيظل فى ذاكرة الوطن.
لفت رئيس الوكالة اليهودية الأسبق ناحوم جولدمان فى كتاب له بعنوان” إلى أين تمضى اسرائيل” إلى أن من أهم نتائج حرب أكتوبر أنها وضعت حدا لأسطورة إسرائيل فى مواجهة العرب, كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمنا باهظا حوالى خمسة مليارات دولار, وأحدثت تغييرا جذريا فى الوضع الاقتصادى فى الدولة الاسرائيلية التى انتقلت من حالة الازدهار التى كانت تعيشها قبل سنة, وأضاف أن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التى حدثت على الصعيد النفسى حيث انتهت ثقة الاسرائيليين فى تفوقهم الدائم.
من أذكى الأشياء لعدوك ألا تريه أنك تتخذه عدوا!
من لايعرف الهدف يضل الطريق ومن سار بلاهدف مشى بعيدا!

زر الذهاب إلى الأعلى