رجب البنا يكتب: الشيخ الشعراوى الغائب الحاضر
مرت ٢٦ سنة على رحيل الشيخ الشعراوى إمام الدعاة، ولم يغب عنا يوما واحدا.فهو حاضر دائما وكلماته تدخل قلوبنا وهو يكشف لنا بعض أسرار القرآن وتفسيره للقرآن، عميق جدا وبسيط جدا يصل إلى كل العقول مهما اختلفت.. بلاغته فى اللغة العربية وقدرته على صك عبارات تظل عالقة فى الأذهان مثل قوله للشباب« كونوا رجالا فى طفولتكم ولا تجعلوا رجولتكم طفولة» ومثل قوله « من أراد أن تكون كلمته من رأسه فلتكن لقمته من فأسه» و«آفة المسلمين أنهم أصبحوا مستهلكين لا منتجين» وقوله «الإسلام يعتمد على الإقناع والتربية والحوار العاقل ويرفض رفضا حاسما اللجوء إلى العنف أو الإكراه أو استباحة حقوق الآخرين باسم الدين، «والنهى عن المنكر يكون كما أمر الله» ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن».
مداومته قراءة القرآن وتدبر آياته وما فيها من إشارات إلى حقائق فى الكون لم يصل إليها العلماء إلا بعد قرون، وأسلوبه المميز فى الشرح كل ذلك جعله أقرب علماء التفسير إلى قلوب الناس ولم يتأثر حبهم له برحيله وبقيت تسجيلاته تذاع على مدار الساعة فى الاذاعات والتليفزيونات فى جميع الدول الإسلامية، وصدرت عشرات الكتب التى تضم أحاديثه يعاد طبعها وتنفذ بسرعة مذهلة، والسر فى ذلك أنه جاء بفهم للقرآن على أنه ليس مجرد دعوة إلى الإيمان بالله ولكنه أيضا كتاب من الله يحدد اسلوب حياة المسلم ومعاملاته اليومية، قال عنه الدكتور زكى نجيب محمود» إعجابى به إعجاب شديد، فهو معلم بطبعه والصلة بينه وبين تلاميذه ومستمعيه تنبض بالحياة نبضا قويا، وحديثه يجاوز الآذان لينفذ فى قلوب السامعين فى مثل لمح البصر يفهمه المثقف والأمى ويحدث فى قلوبهم رجفة الإيمان، ومنهجه فى الشرح والتفسير يبدأ بتناول المفردات اللغوية ويبين البلاغة المعجزة فى القرآن فيضىء إضاءة لا تدع موضعا لغموض، ولهذا ملأ الدنيا وشغل الناس كما يقول المتنبى».
ولم يحدث من قبله أن جمع مفسر الناس حوله بالملايين فى العالم الإسلامى، ومع تمكنه من اللغة العربية فإنه تمكن من العلوم الشرعية وعلى إلمام ومتابعة لنتائج وتطورات العلوم الحديثة بالإضافة إلى عمق ثقافته الفقهية والأدبية التى وظفها فى التعمق فى فهم القرآن .. كان يعيش يومه وليله مع القرآن، سألته يوما فى حديث للأهرام ماذا تقرأ قال: أقرأ القرآن، قلت له: تقرأه بقصد الفهم أو بقصد التعبد فأجابنى: والله أنا كلما قرأت القرآن أجد فيه معانى جديدة، وأجد أن عطاءه متجدد .. وفى هذا الحديث قال إن الإسلام بدأ بكلمة ولم يبدأ بالسيف، لأنه منهج لتجميع القلوب وليس لتفريقها، الإسلام يريد قلوبا تخشع وليس قوالب تخضع، وقال: كنت فقيرا وهذا من فضل الله علىّ فقد أعاننى الفقر على التفرغ للعلم وعصمنى من الزلل، وقال :التدين لجميع المسلمين ولكن للدين علماء متخصصون، والإيمان الحقيقى أن يعايش علماء الدين الناس ولا ينعزلون عن أحداث الحياة، وقال لماذا يرى البعض أن الحج واجب على الجميع والله فرضه فقط على من استطاع إليه سبيلا وأقول لمن لا يقدر على الحج حج بقلبك إذا لم تستطع أن تحج بجسدك وأقول لكل مسلم الحياة فرصة لا نقدرها إلا حين نوشك على فراقها، وأقول: دوام الاتفاق نفاق وكثرة الخلاف اعتساف والعاقل من يتسع صدره للخلاف ولا يضيق بمن له رأى آخر فالله خلق العقول والأفهام متفاوتة ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة، والإنسان من صنع الله والصانع هو الذى يعرف ما فى صناعته، فالإنسان فيه عواطف وغرائز وله عقل وضمير، والله أعطى الإنسان كل شىء وسخر له ما فى الكون وحدد له طريقه فى الحياة وقال له افعل كذا ولا تفعل كذا وترك له الخيار والحرية فى أشياء يفعلها وأشياء عليه ألا يفعلها، الله هدى الإنسان طريق الخير وطريق الشر ونبهه إلى عواقب السير فى هذا الطريق أو ذاك والإنسان حر الاختيار ومسئول أمام من خلقه وهداه والأشياء التى حرمها الله قليلة بالنسبة للأشياء التى أباحها الله والمحرمات منصوص عليها نصا صريحا فى القرآن ولا يجوز أن يضيف إليها أحد، لا حرام إلا ما حرمه الله وليس ما حرمه إنسان، والله خلق الملائكة ومنحهم العقل وجردهم من الغرائز، وخلق الحيوان وجرده من العقل وأعطاه الغرائز، لكن الإنسان أعطاه الله العقل والغرائز معا، وعليه أن يختار طريقه بالعقل وأن يحسن التحكم فى الغرائز، وعلى المؤمن أن يعرف أن الإيمان والطاعة صفقة وعليه أن يخرج منها بالربح وليس بالخسارة لقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم» وقوله عن المؤمنين «يرجون تجارة لن تبور» وقال فى حق الكافرين «فما ربحت تجارتهم». فعلى المؤمن أن يخرج من الدنيا «كسبان» ويفوز بالنعيم فى الجنة التى أعدت للمتقين.