حازم البهواشي يكتب: متشكرين يا كابتن شلاطة!!
للكاتب الساخر الكبير “أحمد رجب” (1928م _ 2014م) قصةٌ رائعةٌ بعنوان (محاكمة علي بابا) تحولتْ إلى فيلم عام (1987م) كَتَبَ له السيناريو والحوار “عاطف بشاي” وأخرجه “إبراهيم الشقنقيري”، أما البطولة فكانت لـ “يحيى الفخراني وإسعاد يونس، والأطفال: مؤمن حسن _ وائل حسن _ طارق الفخراني”.
ينضم الفيلم إلى ما يُمكن أن نسميَه بحق (الفن رسالة سامية)؛ فجميع أفراد الأسرة يستفيدون من مشاهدته، ويطرحُ في أذهانهم تساؤلاتٍ مشروعة تُساهم في بناء وعيهم النقدي وشخصيتِهم.
أتوقفُ في هذا الفيلم عند أحدِ المشاهد التي جمعتْ بين الأب “يحيى الفخراني” وأحدِ أبنائه في النادي، حينما شكرَ الأبُ عاملَ غرفة الملابس قائلًا له: (متشكرين يا كابتن شلاطة)!! ما أثار تساؤلًا لدى الصغير: (بابي… إنت ليه قُلت لعم شلاطة يا كابتن)؟! فذكر الأبُ السببَ وأن “عم شلاطة” كان كابتن منتخبنا القومي، وذكرَ له تاريخَه في الملاعب، لكنه بعد اعتزالِه لم يجد سوى هذا العمل البسيط؛ كونَه غيرَ مُتعلم، وقد اهتم بالكرة على حساب التعليم والدراسة!! بخلاف مثلًا الكابتن “صالح سليم” (1930م _ 2002م) الذي اهتم بالدراسة وحصل على بكالوريوس التجارة إلى جانب الرياضة، حتى صار رئيسًا للنادي الأهلي ورجلَ أعمال معروفًا، ولا يزال مشهورًا، وعلَّلَ الأبُ لابنه: (لأنه _ أي صالح سليم _ تعلم ودرس وأخد شهادات ولم يعتمد على الكرة فقط)!!
الدرسُ واضح وقد فهِمَه الابنُ بسهولة، ولكن في هذه الأيام: هل يُمكن إقناعُ الأبناء بمِثل هذا المنطق، وبعضُ الآباء يَرَوْنَ _ مِن خلال الواقع حولهم _ أن التعليم (مابيأكلش عيش)، وأن لاعبي الكرة يأخذون الملايين؟! هل يمكن إقناعُ الأبناء بمثل هذا المنطق، وهم يَرَوْنَ أن علاقاتِ اللاعب تتحكمُ في استمراريته على الشاشة بعد الاعتزال حتى وإن لم يكن يحمل أي مؤهِّلات؟!
الابنُ الآن سَيَرُدُّ قائلًا: كابتن شلاطة أول ما يعتزل وبسبب نجوميته ستتلقفه إحدى الفضائيات وتُنتج له برنامج (الكورة مع شلاطة)!! إذ يبدو أن نموذج شلاطة يتصدر المشهدَ في الرياضة والإعلام والفن، وبملايينه يستطيعُ إقامةَ بعض المشروعات التي يسعى المتعلمون للعمل فيها!! وإذا كان “شلاطة” في قصة “أحمد رجب” موهوبًا، فـ”شلاطة” اليوم عديمُ الموهبة!!
الموهوبون في كرة القدم على مستوى العالم معظمُهم لم يتلقَّ قِسْطًا وافِرًا من التعليم، ورفعُوا شعار (اللعب فضلوه عن العِلم) لكنَّ منهم من سعى لاستكمال هذا النقص عقب اعتزاله، ليكون قد حققَ حُلْمَ الشهرةِ والمال، واستثناءاتٌ قليلةٌ من بين النجوم هم الذين نجحوا في الموازنة بين التفوق الدراسي والتألق في الملاعب، يمكنك الرجوع إلى تشكيل منتخب مصر في كأس الأمم الإفريقية عام (1986م) لتسمعَ المعلقَ الرياضي “حسين مدكور” _ رحمه الله _ وهو يُعلق على المباراة النهائية باستاد القاهرة يوم (٢١ مارس) وهو يُشيد باللاعب (رقم 2) الذي أحرزَ ضربةَ الترجيح الخامسة على يسار حارس منتخب الكاميرون “توماس نكونو”، قائلًا: (أيوه… يا دكتور… يا دكتور علي)!! كان اللاعب الدكتور، هو طبيب الأسنان “علي شحاتة” لاعب (المقاولون العرب) في جيله الذهبي وأحد أعمدة دفاع منتخب مصر، والذي تم اختياره في التشكيلة الأفضل في أمم إفريقيا (84 و 86)، وهو أستاذ جراحة الفم والفكين بطب أسنان المنيا.
لماذا لا يقتنع أبناؤنا اليوم بما اقتنع به السابقون؟! ابحث عن الإعلام ودورِه وصانعي المحتوى على (السوشيال ميديا)، إذا وعى الجميعُ تأثيرَهم ودورَهم الحقيقي، وكان ضميرُهم ظاهرًا غيرَ مستتر، فإنهم يُساهمون فى رفع مستوى الوعي، وإذا بحثوا عن (التريند) والشهرة والمال فقط لا غير، فاستضافوا الْمُنْخَنِقَةَ وَالْمَوْقُوذَةَ وَالْمُتَرَدِّيَةَ وَالنَّطِيحَةَ، فذَلِكُمْ فِسْق!!! هل كنتَ تتصورُ في عالمنا العربي وبين قِيمنا الخُلُقية الموروثة أن تُستضافَ مَن تتحدث عن فيلمٍ إباحيٍّ لها لتتحولَ القاعدة من (إذا بُليتم فاستتروا) إلى (إذا بُليتم فَاظْهَرُوا في وسيلةٍ إعلاميةٍ وانتَشِروا)؟!!
أن يتآمر مَن هم خارجَ المنزل على سرقتِه، فهذا أمرٌ يُمكن فَهمُه، لكنْ أن يفتحَ لهم بابَ المنزل أحدُ أفراده، فهذا ما لا يُمكنُ فَهمُه أو قَبُولُه!!