مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: دراما أكتوبر والجيل الجديد

خمسون عامًا تمر على ذكرى نصر العزة والكرامة (1973م _ 2023م) الذي أثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن المستحيل هو ما لم يُخلق فقط، أما غيره فهو ممكن، وأن الله لا يُخلف وعده، سبحانه!! تساءلتُ بيني وبين نفسي عن مدى ارتباط الأجيال الحالية بأكتوبر، وهل هناك ما يُقدَّم لهم ليشعرهم بتضحيات الآباء والأجداد، وبعظمة هذا الوطن الذي يستحق، أم أن العلاقةَ بينهم وبين أكتوبر أصبحت واهيةً تتمثل في: (يوم إجازة، واسم كوبري، واسم مدينة، وموضوع تعبير في المدرسة ربما يكون ثقيلًا على معظمهم! وإذاعة مدرسية لا ينتبه أحدٌ ماذا يُقال فيها؟! )؟!

سقى الله أيامَ قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون الذي أنتج لنا دراما، أشعلت الوطنية، وحببتنا في التضحية، وجعلتنا نبادر لنسأل ونسمع الحكايات، فأنجزتْ ما لا يمكن أن تنجزه آلافُ المقالات والمحاضرات!! من منا لا يتذكر مسلسل (رأفت الهجان) درة التاج في هذه الدراما _ ولستُ أحاكم هذه الأعمال فنيًّا _ والذي بدأ عرضُ الجزء الأول منه في أبريل 1988م، والثاني في مارس 1990م، والثالث في مارس 1992م؟! لقد نجح (صالح مرسي) في الإعداد والسيناريو والحوار، و (يحيى العلمي) في الإخراج، والنجم (محمود عبد العزيز) وباقي طاقم العمل، في جذب ولفت أنظار الجميع إلى أن هناك من يعمل بصدق لصالح هذا الوطن، وأن البناء ليس سهلًا، وأن هذا الوطن لن ينتصر إلا بجهد وعرق وتضحية ودماء أبنائه، حتى أنني سمعتُ (مكوجي) يومًا يقول: (كان نفسي أكون ضابط مخابرات)؛ تأثرًا بهذا المسلسل الذي أحدث حالةً غير مسبوقة بين الأطفال والشباب!! تأملْ هذه الجملة في المسلسل على لسان بطله: (وتقُولِي إن رأفت قطع عهد على نفسه وما خانوش، حَبّ تراب بلده، وماخافش من عذاب الرحلة ومخاطر الطريق)!!

وقد سبق (رأفت الهجان) مسلسلُ (دموع في عيون وقحة) الذي عرفناه باسم (جمعة الشوان) لـ (صالح مرسي ويحيى العلمي) أيضًا والنجم (عادل إمام)، وقد عُرض في يوليو 1980م.
كذلك جاءت مسلسلات ربما لم نرتبط بها ارتباطَنا بالعمَلين السابقين مثل (الثعلب _ 1993م ) _ ( السقوط في بئر سبع _ 1994م) _ (الحفار _ 1995م) _ (وادى فيران _ 1998م) _ (العميل 1001 عام 2005م) و (حرب الجواسيس _ 2009م).

الحدوتة جميلة، حدوتة الصراع بيننا وبينهم، وفصولُها لم تنتهِ بعد، ونحن نعيش هذه الأيام أحدَ هذه الفصول، ولعل القادمَ منها أكثرُ إثارة، لذا نحتاج إلى رجالٍ تشارك في صناعتهم أعمالٌ فنيةٌ هادفة، توطد العلاقةَ بينهم وبين تاريخهم القريب والبعيد، “… رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ” ( الأحزاب _ 23 ).

هل عجز صناعُ الدراما الآن في ظل التطور غير المسبوق أن يصنعوا ما صنعه السابقون، أم جفت المواهبُ بين الكُتاب والممثلين والمخرجين والمبدعين عمومًا، فخاف الجميع أن يُولدَ عملٌ مُشوه؟! هل تتذكرون معي أن هذه الأعمالَ كان يُنتخب منها أجزاءٌ مُجمعة في المناسبات الوطنية تُعطينا جرعة قوية تُمثل رابطًا بيننا وبين نصرنا، وتُعرفنا عدونا؟! تغير الزمان، أم تغيرت الأولويات، أم جفت الأقلام؟!

ملحوظة: لا أزال حتى الآن أُعِيدُ مشاهدةَ بعضِ الحلقات والمَشاهد من مسلسل (رأفت الهجان)، لا أدري بدافع الحنين للماضي، أم بدافع أن يراني أولادي؟! كذلك الحال مع دراما العميد (أسامة أنور عكاشة) دراما الرؤية والهدف والطبقة الوسطى عماد المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى