“جميلة”..تركت الأوراق ..أخذت معها كل الكلمات.. “جميلة” لم تودعني !!.. قصة قصيرة كتبها الفنان التشكيلي عبد الهادي شلا وقد اختص الكاتب موقع بوابة مصر الآن بنشر تلك القصة والتي حملت عنوان “جميلة” .. غادرت القصة،
وبدأت القصة : تحت إبطه مجموعة من الأوراق البيضاء و في يده قلم ..
اتجه إلى طاولة بسيطة في ركن من الغرفة الجانبية من الشقة الصغيرة لها شباك يطل على الزقاق الضيق من الحارة.
الركن الذي يحب أن يخلو فيه مع نفسه تحيط به كل الحكايات التي سمعها خلال مشوار حياته الطويل.
يضحك في سره منها مرة ويضيق ببعضها..
هو مشغول عنها اليوم ..
هي تشبه صندوق قديم تراكمت فيه الأشياء ..
يشغله أمر أخر..
كيف يخرج من بين هذه الحكايات قصته التي كلما لاحت له ملامحها أفلتت .!!
-كنت أراقبه وأختفي بين جنبات ضلوعه وفي مجرى شرايينه متنقلة بينها وبين عقله الذي يكاد أن يتمزق بحثا عني..!!
كنت وقتها خاملة ..كسولة ،لا أريد ان يوقظني أو يصفعني كي أنهض من سباتي. هو بالكاد يعرف ملامحي..
حين وضع الأوراق التي تأبطها على االطاولة ورمى لها القلم مثل صياد يرمي الطعم لأسماك في بحر لا يدري أي سمكة ستلتهمه..أحسست بإرهاق يعاوده كلما ألح عليه خاطرأوصورة تريد أن تخرج من شرنقتها .
يبدو أنه اعتاد هذه الحالة لذلك كان متحفزا ..يقظا ..!!.
القى بجسده على الكرسي الخشبي خلف االطاولة ومد يده إلى علبة سجائرة.
أخذ واحدة ..وضعها بين شفتيه بكسل شديد ..
مد يده مرة أخرى إلى علبة الكبريت الصغيرة الملقاة بين الأوراق الكثيرة التي غطت المكتب المتواضع…أشعلها..
سحب رحيقها السام..أخرجه زفيرا حارا .. احمرت منه عيناه!!
مازلتُ على حالة الكسل بعينٍ يقظة على ما في رأسه وهو يقلب الحالة على اكثر من وجه ..
يريد ان يختار إسما لبطلة قصته الجديدة التي بالكاد يعرف تفاصيلها وإن كانت ملامحها باهتة.
هي الفوضى التقليدية التي يعرفها حين تعتريه هذه الحالة .
لابد من الثبات ومقاومة كل ما يثنيه عن أن يمد يده إلى القلم الساكن في مكانه بين الأوراق.
يعرف أنه وصل إلى الذروة.
– سيكون إسم بطلة القصة”جميلة”..
نعم هكذا قررت ولن أتركها هذه المرة تفلت من بين يدي أو تخرج قيد أنملة من بين الأوراق التي تفتح صدرها الأبيض لاستقبالها…هكذا حدث نفسه التي تعيش حالة قلق .
-“جميلة”..
– إذا هو اختار لي إسم “جميلة”..
طفلة بريئة لا تعرف من الحياة إلا حضن أمها و بيتها الواسع تتنقل بين حجراته في مرح تلحق بها قطتها الصغيرة بين الحجرات والساحة الخلفية للبيت حيث أحواض الورود المتعددة الألوان.
كثيرة هي المرات التي سألت أمها أن تأتي لها بأخ أوأخت تلعب معه..
لم تشاهد الحزن الشديد على وجها كلما سألتها فهي صغيرة لا تجيد تفسير الملامح ولا يمكنها أن تدرك أكثر مما ترى عينها بل أقل من ذلك.
تضمها إلى صدرها وتبثها حبا لم تسمعه طفلة من أم مثلها من قبل:أنت يا “جميلة” كل شيء لي..أنت كل أبنائي،وغدا حين تكبرين ستعرفين لماذا لا أستطيع أن أنجب لك أخ أو أخت يا حبيبتي!؟
بعد ولادة”جميلة” تعرضت الأم إلى حادث عارض كان سببا في أن تستأصل الرحم ويستحيل الحمل من بعده.
براءة الطفولة لا تساعدها على أن تدرك معنى السؤال الذي تلقيه وهي تحوم حول أمها كفراشة ..لا تخشى النار التي تتأجج في صدر أمها..
“جميلة” تجري ومن خلفها قطتها الصغيرة .. ضحكاتها التي تتردد في أرجاء البيت الواسع تقع على مسامع أمها كرذاذ المطر يبلل أوراق زهرة عند الفجر..مثل سيمفونة يتردد صداها في فضاء لا متناهي.
مازال القلم تنهمر منه الكلمات تلتهم الورقة تلوالأخرى مثل طوفان نهر هادر وسط سحابات دخان السجائر التي تجاوزت الخمس وإمتلأت بدخانها الحجرة الصغيرة.
يلاحق”جميلة” وهي تعبث في افكاره لتبعث فيها حياة ونشاط .
هو يلهث ورائها ..تارة تختفي وراء حاجز لا يدري كنهه ..يراه بلا ملامح ..يمزق الورقه تلو الأخرى لساعات .. يسقط الحاجز الطارئ ..تنفرج اساريره.. يرى وجه “جميلة” البريء وشعرها الكستنائي المتدلي على كتفيها وعيناها العسليتان.
– لابد من فنجان قهوة الآن.!!
اتجه إلى المطبخ..ترك الأوراق تمرح “جميلة”بين كلماتها لا يدري كيف سيترك لهذه الطفلة الباب مواربا تمنحه المزيد من الصور؟!
هل أسمح لها باللعب في الحديقة؟
أم أبقيها حول أمها تلاعب قطتها الصغيرة؟
أنا في حيرة ..
لا بد أن فنجان القهوة سيساعدني على إيجاد حلاً لوضع “جميلة” في هذه الحكاية التي أتعبتني واستهلكت مني نصف علبه سجائري.!!
ليست المرة الأولى التي أقف فيها حائرا عند مفترق طريق يصادفني وأنا أكتب قصة.
لابد من تحديد الوجهة الأخرى قبل أن تفلت “جميلة” من بين هذا السياج الذي وضعته حولها فهي مازالت صغيرة ولا حيلة لها لتقفز خارجه وتتركني لأفكاري التي تتزاحم في هذا الموقف الصعب الذي أعرف أنني لابد أن أتغلب عليه.!!
“جميلة”..مازالت تمرح ذهابا وإيابا .. تطير بجناحي فراشة بين عقله وبين وجدانه ..هي تسري في شرايينه تركب قارب افكاره المبحر في عالم غير مرئي لكنه ليس بالمستحيل.
هذه الصور سكنت بعضا من الورق الأبيض الذي أمامه مستسلمة على الطاولة بينما لا يزال يصنع لنفسه فنجان قهوة ..
تلاحقه الأفكار التي يريد أن ينهي بها القصة ..
نصفها في داخله يصول ويجول وبعضها استقر في الورق ،وبعض منها مازال عالقا بين الرغبة في التجلي ..مترددا في البحث عن فسحة بين الكلمات ليصنع توازنا تحتاجه.
طائرات تحلق في الجو.. أزيزها يكسر الصمت الذي غرقت فيه الأم وهي تتابع نشرة أخبار السابعة مساء ترتعد خوفا ،بينما “جميلة” هادئة برهة وصاخبة في لعبها مع قطتها الصغيرة تارة أخرى.
رائحة القهوة بدأت تتسلل إلى أنفه، كانت طائرة تخترق حاجز الصوت لتحدث فرقعة اهتزت منها الشقة ليُخرج من عالمه الذي كان يرسم فيه بأفكاره نهاية للقصة … يصرخ بأعلى صوته..هل جننت أنا..؟!
نظر إلى فنجان قهوته وقد استقر مكانه دون حركة أو اهتزاز،وكذلك ستارة المطبخ ونظر مرة أخرى من خلفها إلى السماء فلم يجد سوى عصفور سابح بفرح في الفضاء .
حمل قهوته مسرعا إلى الحجرة الصغيرة ..
جلس بلهفة كبيرة على الكرسي ..
أخذ القلم ليرسم نهاية القصة التي أرهقته تفاصيلها.
أخذ يبحث عن “جميلة” بين الكلمات ويقلب الأوراق.
لم تكن جميلة في أي كلمة مما كتب.
لم يجد وجهها البرئ ..
لم يجد شعرها المسترسل على كتفيها..
لم يسمع ضحكاتها تجلجل في ارجاء البيت الواسع..
يا إلهي..
“جميلة”..تركت الأوراق ..أخذت معها كل الكلمات.. “جميلة” لم تودعني !!
اتجه إلى طاولة بسيطة في ركن من الغرفة الجانبية من الشقة الصغيرة لها شباك يطل على الزقاق الضيق من الحارة.
الركن الذي يحب أن يخلو فيه مع نفسه تحيط به كل الحكايات التي سمعها خلال مشوار حياته الطويل.
يضحك في سره منها مرة ويضيق ببعضها..
هو مشغول عنها اليوم ..
هي تشبه صندوق قديم تراكمت فيه الأشياء ..
يشغله أمر أخر..
كيف يخرج من بين هذه الحكايات قصته التي كلما لاحت له ملامحها أفلتت .!!
-كنت أراقبه وأختفي بين جنبات ضلوعه وفي مجرى شرايينه متنقلة بينها وبين عقله الذي يكاد أن يتمزق بحثا عني..!!
كنت وقتها خاملة ..كسولة ،لا أريد ان يوقظني أو يصفعني كي أنهض من سباتي. هو بالكاد يعرف ملامحي..
حين وضع الأوراق التي تأبطها على االطاولة ورمى لها القلم مثل صياد يرمي الطعم لأسماك في بحر لا يدري أي سمكة ستلتهمه..أحسست بإرهاق يعاوده كلما ألح عليه خاطرأوصورة تريد أن تخرج من شرنقتها .
يبدو أنه اعتاد هذه الحالة لذلك كان متحفزا ..يقظا ..!!.
القى بجسده على الكرسي الخشبي خلف االطاولة ومد يده إلى علبة سجائرة.
أخذ واحدة ..وضعها بين شفتيه بكسل شديد ..
مد يده مرة أخرى إلى علبة الكبريت الصغيرة الملقاة بين الأوراق الكثيرة التي غطت المكتب المتواضع…أشعلها..
سحب رحيقها السام..أخرجه زفيرا حارا .. احمرت منه عيناه!!
مازلتُ على حالة الكسل بعينٍ يقظة على ما في رأسه وهو يقلب الحالة على اكثر من وجه ..
يريد ان يختار إسما لبطلة قصته الجديدة التي بالكاد يعرف تفاصيلها وإن كانت ملامحها باهتة.
هي الفوضى التقليدية التي يعرفها حين تعتريه هذه الحالة .
لابد من الثبات ومقاومة كل ما يثنيه عن أن يمد يده إلى القلم الساكن في مكانه بين الأوراق.
يعرف أنه وصل إلى الذروة.
– سيكون إسم بطلة القصة”جميلة”..
نعم هكذا قررت ولن أتركها هذه المرة تفلت من بين يدي أو تخرج قيد أنملة من بين الأوراق التي تفتح صدرها الأبيض لاستقبالها…هكذا حدث نفسه التي تعيش حالة قلق .
-“جميلة”..
– إذا هو اختار لي إسم “جميلة”..
طفلة بريئة لا تعرف من الحياة إلا حضن أمها و بيتها الواسع تتنقل بين حجراته في مرح تلحق بها قطتها الصغيرة بين الحجرات والساحة الخلفية للبيت حيث أحواض الورود المتعددة الألوان.
كثيرة هي المرات التي سألت أمها أن تأتي لها بأخ أوأخت تلعب معه..
لم تشاهد الحزن الشديد على وجها كلما سألتها فهي صغيرة لا تجيد تفسير الملامح ولا يمكنها أن تدرك أكثر مما ترى عينها بل أقل من ذلك.
تضمها إلى صدرها وتبثها حبا لم تسمعه طفلة من أم مثلها من قبل:أنت يا “جميلة” كل شيء لي..أنت كل أبنائي،وغدا حين تكبرين ستعرفين لماذا لا أستطيع أن أنجب لك أخ أو أخت يا حبيبتي!؟
بعد ولادة”جميلة” تعرضت الأم إلى حادث عارض كان سببا في أن تستأصل الرحم ويستحيل الحمل من بعده.
براءة الطفولة لا تساعدها على أن تدرك معنى السؤال الذي تلقيه وهي تحوم حول أمها كفراشة ..لا تخشى النار التي تتأجج في صدر أمها..
“جميلة” تجري ومن خلفها قطتها الصغيرة .. ضحكاتها التي تتردد في أرجاء البيت الواسع تقع على مسامع أمها كرذاذ المطر يبلل أوراق زهرة عند الفجر..مثل سيمفونة يتردد صداها في فضاء لا متناهي.
مازال القلم تنهمر منه الكلمات تلتهم الورقة تلوالأخرى مثل طوفان نهر هادر وسط سحابات دخان السجائر التي تجاوزت الخمس وإمتلأت بدخانها الحجرة الصغيرة.
يلاحق”جميلة” وهي تعبث في افكاره لتبعث فيها حياة ونشاط .
هو يلهث ورائها ..تارة تختفي وراء حاجز لا يدري كنهه ..يراه بلا ملامح ..يمزق الورقه تلو الأخرى لساعات .. يسقط الحاجز الطارئ ..تنفرج اساريره.. يرى وجه “جميلة” البريء وشعرها الكستنائي المتدلي على كتفيها وعيناها العسليتان.
– لابد من فنجان قهوة الآن.!!
اتجه إلى المطبخ..ترك الأوراق تمرح “جميلة”بين كلماتها لا يدري كيف سيترك لهذه الطفلة الباب مواربا تمنحه المزيد من الصور؟!
هل أسمح لها باللعب في الحديقة؟
أم أبقيها حول أمها تلاعب قطتها الصغيرة؟
أنا في حيرة ..
لا بد أن فنجان القهوة سيساعدني على إيجاد حلاً لوضع “جميلة” في هذه الحكاية التي أتعبتني واستهلكت مني نصف علبه سجائري.!!
ليست المرة الأولى التي أقف فيها حائرا عند مفترق طريق يصادفني وأنا أكتب قصة.
لابد من تحديد الوجهة الأخرى قبل أن تفلت “جميلة” من بين هذا السياج الذي وضعته حولها فهي مازالت صغيرة ولا حيلة لها لتقفز خارجه وتتركني لأفكاري التي تتزاحم في هذا الموقف الصعب الذي أعرف أنني لابد أن أتغلب عليه.!!
“جميلة”..مازالت تمرح ذهابا وإيابا .. تطير بجناحي فراشة بين عقله وبين وجدانه ..هي تسري في شرايينه تركب قارب افكاره المبحر في عالم غير مرئي لكنه ليس بالمستحيل.
هذه الصور سكنت بعضا من الورق الأبيض الذي أمامه مستسلمة على الطاولة بينما لا يزال يصنع لنفسه فنجان قهوة ..
تلاحقه الأفكار التي يريد أن ينهي بها القصة ..
نصفها في داخله يصول ويجول وبعضها استقر في الورق ،وبعض منها مازال عالقا بين الرغبة في التجلي ..مترددا في البحث عن فسحة بين الكلمات ليصنع توازنا تحتاجه.
طائرات تحلق في الجو.. أزيزها يكسر الصمت الذي غرقت فيه الأم وهي تتابع نشرة أخبار السابعة مساء ترتعد خوفا ،بينما “جميلة” هادئة برهة وصاخبة في لعبها مع قطتها الصغيرة تارة أخرى.
رائحة القهوة بدأت تتسلل إلى أنفه، كانت طائرة تخترق حاجز الصوت لتحدث فرقعة اهتزت منها الشقة ليُخرج من عالمه الذي كان يرسم فيه بأفكاره نهاية للقصة … يصرخ بأعلى صوته..هل جننت أنا..؟!
نظر إلى فنجان قهوته وقد استقر مكانه دون حركة أو اهتزاز،وكذلك ستارة المطبخ ونظر مرة أخرى من خلفها إلى السماء فلم يجد سوى عصفور سابح بفرح في الفضاء .
حمل قهوته مسرعا إلى الحجرة الصغيرة ..
جلس بلهفة كبيرة على الكرسي ..
أخذ القلم ليرسم نهاية القصة التي أرهقته تفاصيلها.
أخذ يبحث عن “جميلة” بين الكلمات ويقلب الأوراق.
لم تكن جميلة في أي كلمة مما كتب.
لم يجد وجهها البرئ ..
لم يجد شعرها المسترسل على كتفيها..
لم يسمع ضحكاتها تجلجل في ارجاء البيت الواسع..
يا إلهي..
“جميلة”..تركت الأوراق ..أخذت معها كل الكلمات.. “جميلة” لم تودعني !!