مقالات الرأى

إميل أمين يكتب: هل هي نهاية العولمة ؟

0:00

على مشارف منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، بدا وكأن هناك علامة أستفهام مثيرة للجدل، تطرح ذاتها على المسكونة وساكنيها:” هل لا يزال هناك مجال لفكر العولمة الذي نادى به الكثير من المفكرين الثقات، والذين بشروا بتحول العالم إلى قرية كونية صغيرة، لا سيما في ظل وسائط التواصل الحديثة التي جعلت الكرة الأرضية على أطراف ” فأرة ” الكمبيوتر، لتصل أهل الشمال بالجنوب، والشرق والغرب، ضمن مسارات ومدارات فكرية تكاد تبلور أنساقا بشرية واحدة من غير مغالاة ؟
التساؤل المتقدم يقول البعض أن فكرة الحلم بعولمة مطلقة تزيل الحدود والسدود هو حلم مخملي وردي جميل، لكنه غير قابل للتطبيق في واقع الأمر ..هل من دليل على ذلك ؟
بإختصار غير مخل، ربما يكفي النظر إلى حال الكرة الأرضية في العقود الثلاثة المنصرمة، أي بعد تفكك الإتحاد السوفيتي، حيث تبخر الحلم بعالم واحد، ولو قبل الجميع على مضض أن تكون القيادة أميركية، أي عولمة أميركية مهيمنة على الجميع .
يكفي الناظر أن يمعن النظر في ملامح الحرب الباردة الجديدة التي تلف العالم اليوم، ناهيك عن حروب كبرى كما الحال في أوكرانيا، عطفا على أزمنة وباء كورونا التي بينت كم هو عالم متشظي وممزق، وما من شيئ يجمعه ، أما عن الأزمات المالية والإقتصادية فحدث ولا حرج ، حيث تبدو أزمة الديون العالمية ، عقبة كؤد في مسيرة تنيمة إنسانية مستدامة شاملة .
ربما قربت وسائل السفر من المسافات جغرافيا، لكن المؤكد أن سكان العالم في طريقهم للمزيد من التباعد ، الإنساني والوجداني ، الإيديولوجي والدوجمائي، لا سيما بعد أن صحا الكثيرون على فكرة وجود حكام جدد لعالمنا المعاصر ، يسعون لجعلها عولمة مهيمن عليها عبر كافة الميكانيزمات المتاحة بشريا .
من أين يمكن للمرء مشاغبة ايقونات العولمة التي كثر الحديث عنها في العقود الأخيرة ؟
كان مارشال ماكلوهان أول من تناول فكرة القرية الكونية في مقالته ” فهم وسائل الإعلام في القرن الحادي والعشرين” والتي كتبها عام 1964 .
ولدت فكرة القرية الكونية في ذهن ماكلوهان بعد ملاحظة كيف تمكنت وسائل الإعلام من التغلب على أي مسافة مادية ، وتقريب سكان الأرض ، وجعلهم قريبين ، وجيران ، وتحويل الأرض إلى قرية كونية عظيمة .
في هذه القرية الجديدة، يمكن للقرويين معرفة ما يفعلونه ، وكيف يعيشون ، وما يقوله القرويون الأخرون ، ويمكن لقروي في نيويورك أن يرى ما يفعله قروي في هونج كونج ، بل حتى مراقبته في الوقت الحالي .
من نافلة القول أن لفظة قروي هنا، لا تعني بحكم الضرورة، الفلاح الذي يحرق ويسقي ويزرع الأرض، وإنما ذلك المواطن العالمي ، في قلب هذه القرية الكونية الصغيرة ، أي عالمنا المعاصر.
لقد توقع مارشال ماكلوهان العولمة ، ليس فقط للأسواق ، بل أيضا للعادات ، واساليب الحياة، والإتصالات ، وقد كانت تلك التوقعات سابقة على ظهور الإتصالات الذكية التي من شأنها أن تسمح بالإتصال بالعالم بأسره على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ، وعلى مدى 365 يوما في السنة .
لكن اليوم وبعد خمسة عقود تقريبا من رؤية ماكلوهان، يعن لنا أن نتساءل:” هل هذه الرؤية لا تزال قائمة سيما في ظل تساؤلات بنيوية جذرية حول الحدود وإشكالياتها، والصراع القائم من حول التطورات البشرية والتكاثر السكاني ، ذاك الذي خلف فكرة الهجرة بكثافة من مناطق إلى اخرى .
خذ إليك إضافة إلى ذلك الحديث عن التغيرات المناخية حول الكرة الأرضية، وما بدأت تتسبب فيه من تغيرات جوهرية على صعيد البني التكتونية حول العالم ،وقد باتت بمثابة حواجز حقيقية في طريق التلاحم الأممي.
تبدو التساؤلات المطروحة اليوم على القرويين كما أسماهم ماكلوهان ، واسعة وعريضة، بل وأعمق كثيرا مما كان حاضرا في منتصف ستينات القرن الماضي، فقد طفت على السطح إختلافات جذرية حول قضايا حقوق الإنسان، والخير العام ، وأفكار الكون الكبير، والكون الصغير ، تلك التي اشار إليها البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته العامة المئوية (1991) ، وتساؤلات حول أهمية الحفاظ على توازن الأرض والشروط الأخلاقية للبيئة البشرية الأصيلة .
هل تجاوزت أوضاع الإنسانية، وربما من جراء التقدم التكنولوجي الواسع فكرة القرية الكونية وفكر الإنسان كقروي ومصيره في القرن الحادي والعشرين ما طرحه ماكلوهان ؟
قد يكون بالفعل هذا وارد وبقوة، ما بين أحداث جرت بها المقادير في الأعوام الأخيرة من جهة ، وما هو في إنتظار الخليقة من جهة مقابلة ..ماذا عن ذلك ؟
إلى قراءة لاحقة .

زر الذهاب إلى الأعلى