مقالات الرأى

إميل أمين يكتب: عالم ثنائي أم متعدد الأقطاب ؟

0:00

تبدو حركة الأحداث في الوقت الراهن على المستوى الدولي ، دافعا لمزيد من الحيرة حول شكل العقود القادمة ، وما إذا كانت فكرة الثنائية القطبية التي عرفتها البشرية منذ القدم وحتى الساعة ، سوف تمضي قدما ، أم أنها ستتغير إلى عالم متعدد الأقطاب ؟

يبدو الجواب غير واضح حتى الآن ، فيما المقطوع به أن هناك تكتلات جغرافية وديموغرافية باتت تطفو على سطح الأحداث بقوة ، وهذه حكما ستكون مدخلا لعالم قطبي مغاير .

يقول البعض أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أنتهى زمن تفردها بالقيادة الدولية ، وقد يكون هذا صحيح بالفعل ، لكن في كل الأحوال ستكون رقما صعبا وفاعلا على الصعيد الأممي .

في الوقت عينه يبدو أن التحالف الصيني الروسي الذي نشأ على هامش الأزمة الروسية الأوكرانية الاخيرة ، سيشكل ركيزة قطبية أخرى في المدى الزمني القريب ، وإن كان من المشكوك فيه أن مثل هذا التحالف سوف يبقى إلى أمد طويل ، لإختلاف التركيبة الحضارية للبلدين .

وفي كل الأحوال ، تبقى الصين مرجحة لأن تلعب دورا قطبيا قائما بعينه ، سواء مع روسيا أو بغيرها ، بل أن هناك مناطق نفوذ صينية تصعد في السنوات الأخيرة وتجاهر برغبتها في الإنشقاق عن صف القوى الغربية التقليدية .

ما هو وضع أوربا ؟

هذا تساؤل مهم بدوره ، إذ يرجح أن تكون الأزمة الأوكرانية الأخيرة دافعا لصحوة أوربية ، وفي الواقع كان الأوربيين وقبلها بعدة سنوات يتحدثون عن قوة مسلحة أوربية …هل يكون في ذلك نهاية زمن حلف الناتو ؟

المتابع لكثير من الكتابات السياسية الدولية يدرك أن هناك الكثيرين الذي يقطعون بأن الزمن قد تجاوزه ، هذا على الرغم من أن الهجوم الروسي الأخير ، قد أعطى قبلة حياة مؤقتة لأعمال الحلف ، لكن لا يمكن إنكار أن هناك تباينات بين المصالح الأوربية والأمريكية قد طفت على السطح خلال الشهرين الماضيين ، إقتصادية أول الأمر وعسكرية تاليا .

ضمن الكتل المرجحة لمشاغبة عالم القطبية ، تبزغ إفريقيا على الخارطة الأممية ، لا سيما في علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية ، ويمثلان كتلة صاعدة في عالم ما بعد الإمبريالية ، ولديهما فرص حقيقية للنمو ، والتقدم على الصعيد الإنمائي المستدام .

هل أنتهى زمن الثنائية القطبية مرة وإلى حين إشعار أخر ؟

من الواضح أنه تبدو في الأفق ملامح ومعالم مغايره للعالم القديم ، وهنا يتذكر المرء ما فاه به المثقف العضوي اليساري الكبير على صغر عمره وقت رحيله ، أنطونيو غرامشي ، من أن القديم يعاني من سكرات الزوال ، والجديد يجاهد لكي يولد ، وفي الفترة بينهما تحدث تغيرات وتطورات مثيرة للتأمل أحيانا ومدعاة للخوف والقلق أحيانا أخرى .

ينتظر الجميع في أوقاتنا الحالية ما ستسفر عنه موجات المواجهات المسلحة بين روسيا وأوكرانيا ، وربما يتابع الكثيرون ما يحدث في شرق آسيا من مواجهات مكتومة بين الولايات المتحدة اأمريكية والصين ، من جراء أزمة بحر الصين الجنوبي تارة ، وجزيرة تايوان تارة أخرى ، وبين هذه وتلك لا يمتلك أي مراقب للمشهد الأممي رؤية ولو تقريبية عن مآلات العالم القادم ، وكأن المشهد الدولي أقرب ما يكون إلى كرة الثلج المنحدرة من فوق الجبل ، والتي يخشى أن تتحول إلى إنهيار جليدي عند لحظة بعينها .

هل من خلاصة ..حكما نحن في أزمنة صعبة يعاد فيها رسم نفس وجسم العالم المعاصر .

زر الذهاب إلى الأعلى