أحمد محمد صلاح يكتب: رفاعة الطهطاوي (4 )
سافر رفاعة إلى باريس وعقله متفتحا، ناقد، مستعد للاستيعاب، على الرغم من أنه ذهب مجرد إمام فقط، ولكنه كان يحزم أمتعته وأمامه هدف كبير، بالرغم أنه لم يطلب منه، ولكن كانت الفرصة عظيمة، وتتوافق مع ميوله، وذهنه المنفتح، فبدأ يدون علي الفور مشاهداته، في كتابه تخليص الإبريز.
وفيما كانت سفينته تغادر الإسكندرية بدأت الكلمات الأولى في ذلك المخطوط تظهر للنورويكتب في مسودة الكتاب “وقد حصل لي الغم الشديد بعدم تيسير ويارني مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي في القرب من دسوق” ولكن هذه الجملة تحذف من الكتاب قبل طباعته بيد رفاعة نفسه بعدما تفتح ذهنه أكثر في باريس
ويساهم راعه في تغيير الفكر المصري، فبعد أن كان يكتب عن الفرنساويين واصفا إياهم بال “كفرة”، دخل في نقاش مع الأستاذ سلفستر دي ساسي، ليحذف كلمة الكفرة من مسوداته، كما استطاع أن يطلع علي الدستور الفرنسي، الذي أسماه الشرطة الفرنساوية ويقول عنه “لتعرف كيف حكمت عقول الكفرة بأن العدل والإنصاف من أسباب تعمير الممالك وراحة العباد”.
وبالرغم من تغيير رفاعة لأحد مفاهيمه التي تربي عليها، إلا أنه لم ينبهر بباريس وما حوله من مظاهر تمدن لم تكن موجودة في مصر، ولكنه كان ينظر إلى المجتمع الفرنسي بنظرة انتقادية شديدة، وعندما ألح عليه أحد أساتذته الفرنسيين أن يغير زييه المصري ويرتدي الملابس الفرنسية، ولكنه رفض بشدة قائلا “التمدن ليس في زينة المليس بعرف مجهول متخيل استحسانه، لا سيما إذا كان لا يمكن لمن تزيا به إحسانه، فحاجة الوطن إلى المنفعة الحقيقية، أشد من حاجته إلى تقليد العرف الذي هو منفعة ظاهرية، لو أنني أتبعت كل ما قاله الإفرنج ووافقت آراءهم للحياء أو غيره لكان ذلك محض موالية”.
إن انتماء الشيخ رفاعة إلى التيار الذي انبهر بالصدمة الحضارية التي خلفتها الحملة الفرنسية ومثله كان الشيخ العطار، هو الاستتباع الساسي للرغبة في عملية التغيير مما يعد بمثابة المولد لعملية الاقتباس من الغرب التي بدأت على أوسع نطاق مع زيادة حجم هذا التيار وتأثيره.
وهكذا عاد رفاعة إلى مصر مصريا كما ذهب، لكنه مصري مستنير، عاد ومصباح الغرب بإحدى بإحدى يديه ومفتاح الشرق باليد الأخرى كما قال عنه أحد تلاميذه صالح بك وجدي