مقالات الرأى

أحمد فرغلي رضوان يكتب : نابليون ..رواية السينما للتاريخ تائهة

‏”لقد وجدت تاج فرنسا ملطخا في الحضيض. التقطته بطرف سيفي وقمت بتنظيفه، ووضعته فوق رأسي.”
هكذا يقول نابليون أثناء تنصيبه إمبراطورا على فرنسا في رسالة إلى أنه صاحب الفضل في إنقاذ الإمبراطورية الفرنسية من الضياع ، ويبدو أنه كان يريد أن يظل في مقابل ما فعله من انتصارات عسكرية فوق العرش إلى الأبد ولذلك رفض فكرة تخليه عن الحكم ونفيه إلى إحدى الجزر فعاد مرة أخرى وجمع قواته وتحدى الجميع ! ولكن غروره العسكري الذي كلف فرنسا الكثير ويلخصه مخرج الفيلم ريدلي سكوت على الشاشة بالأرقام قبل النهاية بذكر عدد الجنود الفرنسيين الكبير جدا الذين ماتوا بسبب غزوات طموحه العسكري اللامحدود حيث ذهب بعيدا إلى قلب روسيا ويبدو أنه كان يريد أن يسيطر على العالم ! ولكن أحلامه تبخرت في معركة واتر لو .
بعيدا عن التصوير وإخراج المعارك المتميز جدا لفيلم نابليون للمخرج ريدلي سكوت ظل السيناريو ” تائه” وسط زخم هذه الشخصية العسكرية “نابليون بونابرت” صاحبة التاريخ الحافل والمليء بالأحداث، لذلك لا يمكن الحكم على الفيلم تاريخيا عن تلك الفترة لأنك لن تجد الكثير من التفسيرات لعدد من الأحداث المهمة خاصة دوره في تغييرات الحياة السياسية في فرنسا.
تشعر أن الفيلم تم بناء السيناريو الخاص به بشكل كبير على علاقة نابليون بزوجته جوزفين! وظهر غرامه الكبير بها لدرجة أنه اغفر لها خيانتها له ! في نفس الوقت ذهب السيناريو إلى عدة معارك عسكرية مهمة في حياة نابليون المليئة بالمعارك
ولكن ارتباطه بجوزفين ظل هو المسيطر على الأحداث من خلال الإشارة إلى خطاباته الشهيرة لها طوال الوقت حتى عندما هزم في روسيا أرسل لها قائلا ” منذ أن فارقتك فارقني الحظ السعيد ” حيث تم الانفصال بينهما قبلها لعدم قدرتها إنجاب وريث للعرش.
يبدو أنه ارتبط بها نفسيا كما ارتبط بها عاطفيا رغم إشارة المخرج في أكثر من مشهد منذ لقاءهما الأول إلى أن أنها أثرته بالعلاقة الجنسية!
رسم شخصية نابليون خلال سيناريو الأحداث يبدو محيرا يظهر أحيانا مثل صبي مراهق بشكل ساخر مع زوجته وأحيانا قائد عسكري عنيف وصارم و “داهية” ولكن في الغالب تأثر بشكل كبير بزوجته جوزفين وظل مرتبط بها نفسيا وعاطفيا حتى بعد انفصالهما! .
الفيلم يكشف منذ البداية عن طموح كبير لدى نابليون في الصعود ،ولكن سيناريو الفيلم يبتعد عن تفاصيل كثيرة في شخصية نابليون خاصة بعد جلوسه على العرش ولم نشاهد مثلا فرنسا من الداخل كيف كانت تحت حكمه ، فقط شاهدنا صراعات داخل القصر وجزء من محاكمات الثورة الفرنسية في البداية !
من أهم مميزات الفيلم التصوير الرائع لعدد من معارك نابليون بونابرت ولذلك أحيانا تشعر انك أمام فيلم تاريخي كبير وأحيانا أخرى كأنك تشاهد فيلما متوسطا عن نابليون وعائلته ، سيناريوالفيلم يتأرجح بين علاقته العاطفية وغزواته العسكرية بين الانتصارات و الهزائم في الجانبين.
هناك نسخة أخرى للفيلم تبلغ مدتها أربع ساعات سيتم عرضها على منصة آبل! ربما يكون فيها تفاصيل أكثر ! ولكن في النهاية النسخة التي عرضت سينمائيا في جميع أنحاء العالم هى التي أخذت الجانب الأكبر من النقد و الجدل أيضا، وأنا ضد أن يكون هناك نسختان من نفس العمل واحدة للعرض السينمائي و الأخرى للعرض التليفزيوني لأنه بالتأكيد واحدة منهما ستتعرض للظلم !
الجميع كان ينتظر مشاهدة أداء خواكين فونيكس لأنه الأقرب لكي ينافس أداء كليان ميرفي على جائزة الأوسكار هذا العام، بعد المشاهدة أعطي صوتي  إلى كليان ميرفي، خواكين أداء متميز ولكن ميرفي تفوق بشكل أفضل في أداء شخصية اوبنهايمر.
يقدم خواكين أداء لافت للشخصية ما بين القوة والإصرار للقائد العسكري والجانب الأخر الضعف الطفولي تجاه حبيبته وزوجته جوزفين، جسد باقتدار كثيرا من المشاهد الصامتة واعتمد على تعبيرات وجهه وحوار قليل .
فانيسا كيربي أداء جيد جدا لشخصية جوزفين سواء في مرحلة بداية علاقتها بنابليون أو في مرحلة الخلافات والانفصال لكن منافستها على جائزة الأوسكار صعبه في وجود ليلي جلادستون.
أفلام السير الذاتية عادة تثير الجدل برواياتها خاصة إذا كانت الشخصية صاحبة تاريخ طويل من الأحداث ولذلك يقول المخرج ريدلي سكوت عن انتقاد فيلم نابليون
“هناك 10.000 كتاب عن نابليون، وهي مليئة بالحقيقة والتخمين. لكنني تركت قراءة الكتب للوغد الفقير الذي كان عليه أن يكتب السيناريو يقصد ” ديفيد سكاربا” والذي يتعاون معه أيضا في ” جلاديوتر 2″ المنتظر عرضه في 2024.
الفيلم باختصار حاول تصوير قصة صعود ونهاية نابليون بونابرت والمرأة التي عشقها ولكن ما بين الصعود والنهاية لن تجد الكثير من التفاصيل والأحداث لذلك لا يمكن اعتباره سيرة ذاتية كاملة، هي قصة الطموح القاتل للقائد نابليون.

زر الذهاب إلى الأعلى