أحمد صلاح يكتب: بنية العقل المصري طه حسين
ان انتاج طه حسين الفكري سيظل مردا للباحثين والمؤرخين، باعتبار ان ما املاه وقاله في احاديثه، كان خلاصة فكر، استطاع ان يكون مزيج بين الفكر الشرقي الذي درسه في الازهر، وبين ما درسه في السوروبون وقرأه في مكتبات باريس
ويقول طع حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر “وليس يكفي أن نشكو من أن الإنتاج العقلي في مصر قليل؛ قليل في الكم، وقليل في الكيف أيضا، فقد كان ينبغي لحياتنا العقلية الحديثة التي لم تنشأ اليوم ولا أمس، أن تنتج أكثر جدا مما أنتجت وأن ترفعنا إلى منزلة أرقى من المنزلة التي نحن فيها من الثقافة العالمية، وفي الأرض أمم اتصلت بالحياة الحديثة في الوقت الذي اتصلنا بها فيه، أو بعد هذا الوقت بزمن طويل أو قصير، ولكنها كانت أسرع منا إلى الانتفاع بهذا الاتصال وأقدر منا على أن تفرض نفسها على الحياة الحديثة، وتضطر الأمم الراقية إلى أن تجتهد في معرفتها، ثم إلى أن تجد في هذه المعرفة متاعا ولذة، ثم إلى أن تترجم عنها إلى لغاتها المختلفة، وما أظن أن هذه الأمم قد خلقت من جوهر أرقى من جوهرنا، أو امتازت بملكات لم نظفر منها بنصيب، وإنما أتيحت لها ظروف لم تتح لنا، وبعض هذه الظروف خارجي لا نسأل عنه إلا بمقدار، وبعضها داخلي نلام عليه أشد اللوم، وليس هذا الكتاب إلا صورة لما نستحقه من اللوم، على ما ورطنا فيه أنفسنا من تقص”.
يبدو وان طه حسين على الرغم من تلك الفترة المبكرة من القرن العشرين لم يكن يستسيغ ويحبذ الوتيرة التي تسير بها العملية الابداعية في تلك الفترة، بالرغم من ان معاصروه كانوا من الجهابذة، ولكنه ينتقد الانتاج العقلي من ناحية التاليف، فالرجل قرأ الفلاسفة الغربيين، والمستشرقين، ودارسي الحضارات، والعلماء، ويحز في نفسه الا يجد مؤلفات عربية تضاهي هذه الحضارة الغربية بين ارفف المكتبات العربية، والتي هي كانت الاسبق من هؤلاء.
ويعزو طه حسين هذا التأخر الي مسالة التبعية للدولة العثماتية والتي احتلت المنطقة العربية، واوهمت الفكر والمفكرين وقتها ان هذه علوم الكفار وتعلمها نوع من الرجس فيقول “وقد فهمت أني أشير إلى بعض الأمم التي خضعت مثلنا لسلطان الترك ثم تخلصت من هذا السلطان شيئا فشيئا أثناء القرن الحاضر — كما تخلصنا نحن منة — حتى تم لها استقلالها السياسي الذي لم يكد يتم لنا إلى الآن.
ولعل طه حسين في هذا الفصل من كتابه مستقبل الثقافة في مصر يشير الي اعجابه بعدد من المثقفين المصريين الذين بذلوا الكثير من الجهد واحتملوا من العناء الكثير مما لا يشعر به المعاصرون لهم وما سيقدره لهم التاريخ حق قدره، لنهم نشاوا في بيئة معادية للثقافة سواء من الشعب أو من الطبقات العليا، ولكنهم حاولوا وصمدوا وقاوموا حتي كتب لهم النصر
اذا فطه حسين هنا يبرر لنا الأسباب التي أدت بالفكر المصري الي أن يكون في مرحلة ثبات ثم استيقاظ حذر، بسبب الموروث من التقاليد، والخوف من المجهول، وتعنت الطبقات العليا، مما ادي بالمثقف ان يكون شخصا منبوذ الي حد ما، يقاتل في معركة يعلم تماما انه قد يخسر فيها ولكنه استمر يكتب ويترجم محاولا ان يخرج من شرنقة التبعية وقضبان الاحباط.
كان طه حسين يضع خطة طريق لأجيال واجيال، فهو يرفض التبعية الثقافية، ويطالب بان يكون لدينا منتج ثقافي خاص بنا، وهو ما تحقق بعضه بعد مرور بضع سنوات