مقالات الرأى

وفاء أنور تكتب: أفواه وأرانب .. مازال العرض مستمرًا

لعلنا شاهدنا هذا الفيلم الرائع مرات عديدة ، فهو يعد علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية ، شاهدنا فيه أحداثًا درامية أخذت من الواقع نصيبًا موفورًا ، تعرفنا من خلاله على نعمت الفنانة ” فاتن حمامة” الفتاة الريفية التي تعيش مع أختها جمالات الفنانة ” رجاء حسين ” وزوجها عبد المجيد ” الفنان فريد شوقي” تحمل نعمت مسئولية المشاركة في الإنفاق على أسرة أختها التي أنجبت تسعة من الأولاد والبنات من أب سكير يعمل في وظيفة متواضعة في السكة الحديد ، تم التركيز في هذا الفيلم على الزيادة السكانية كمشكلة تواجه المجتمع وتهدد أمنه وسلامته من خلال طرح قضايا هامة منها ضرورة توفير الغذاء ، والصحة ، والتعليم لكل فرد من أفراد المجتمع .

خرجت نعمت من منزل أختها حين رأت ما يحاك لها من محاولة تزويجها رغمًا عنها للمعلم حمام البطاوي تاجر الطيور ، والذي قام بتجسيد دوره ببراعة فائقة الفنان “علي الشريف” .

قابلت نعمت العديد من الناس منهم على سبيل المثال شخصية فتحي الفكهي الفنان ” حسن مصطفى” الذي كان يعمل في وظيفة ” خولي ” بمزرعة الفاكهة التي يمتلكها محمود بيه الفنان ” محمود ياسين” ، وجد فتحي في عقلية نعمت خطرًا عظيمًا يهدد وجوده ، خطر قادر على إسقاط هيبته وإزالة تلك الهالة التي أحاط بها نفسه أمام الفلاحات البسيطات اللاتي يعملن في هذه المزرعة .

كان يعنفها وينهرها بشدة ، بل أنه قد أقدم على طردها من عملها حين سقطت على الأرض وسقطت معها ” مشنة العنب ” التي كانت تحملها فوق رأسها فالأرض الزراعية كانت مشبعة بالمياه وهى مازالت لا تمتلك الخبرة الكافية في مجال عملها الجديد التي أجبرتها الظروف على اللجوء إليه والموافقة عليه ، كان فتحي يتقن الظهور بمظهر العامل المثالي أمام محمود بيه الفنان ” محمود ياسين” صاحب تلك المزرعة وسيده .

اللافت للانتباه أن نعمت لم تكن لتصمت أو تفرط في حقها كالباقيات ، فمسئوليتها السابقة عن أسرة أختها علمتها القوة في مواجهة الجميع ، قوتها الممتزجة بهذا الذكاء الفطري الذي جعل فتحي يخشى على نفسه منها ، من فطنتها ، ورجاحة عقلها ، يخشى من جرأتها ، وحضورها الشديد .

هناك عددًا لا بأس به ، ونسخًا عديدة لا تعد ولا تحصى من هذا المدعو ” فتحي ” يمكنك أن تراه وتتعرف عليه عندما تجده يرأس فريقًا ويرى نفسه الأفضل من الجميع ، إنه يريد الحفاظ على موقعه ليس عن طريق تشجيع الغير ومساندته ، بل بالسعى لهدمه ، والتقليل من حجم دوره وإنجازاته على أرض الواقع .

أما عن شخصية محمود بيه صاحب المزرعة فهو الرجل المتعلم والمثقف ، محمود بيه قرأ في نعمت الفلاحة البسيطة قراءة صحيحة ووجد فيها ذكاءًا عاليًا ، ووعيًا غير مألوف ، رأى فيها ندًا له ، حتى أنه قرر الزواج منها عن قناعة وإيمان بعظم دورها ، إن فتحي الذي خدم طويلًا لدى محمود بيه أثبتت الأيام أنه لم يكن يحسن التصرف في الكثير من الأمور على عكس نعمت ، كما أنه يفكر بطريقة لا تسمح بالتطوير أو التجويد على عكس نعمت ، نعمت التي كان النجاح دائمًا حليفًا لها .

لن أنسى دور هؤلاء الأطفال الذين جسدوا دور أبناء وبنات أخت نعمت ، هؤلاء العمالقة الصغار الذين أثروا هذا العمل بأدائهم المميز وبقدرتهم العالية على الاندماج مع محيطهم داخل تلك البيئة الريفية التي انغمسوا فيها وكأنهم قد ولدوا فيها جميعًا وتأثروا بها وبمن فيها .

كلنا قابلنا نماذج مشابهة لهؤلاء ” نعمت ، وفتحي ، و” محمود بيه ” ، هيا نتذكر معًا هذه الشخصيات ونربط بينها وبين نجوم هذا الفيلم الهادف والناجح الذي يشعرنا بأن عرضه مازال مستمرًا .

زر الذهاب إلى الأعلى