محمد أمين يكتب: الأوراق الملوثة في ملف تفكيك الدول
شهدت الفترة الأخيرة حالة سعار غير مسبوقة ضد الدول الوطنية فى منطقة الشرق الأوسط وخاصة المنطقة العربية، وجاءت الدولة المصرية على رأس الدول المستهدفة فى ظل مواصلتها التحرك بثبات نحو اكتمال مشروعها الوطني للتقدم لتصبح من دول الاقتصاديات الناشئة لتعبر بها مرحلة فارقة فى تاريخها رغم التحديات المتعددة والصعوبات التي تواجهها.
جعلها ذلك أكثر استهدافًا من جانب قوى الشر، فقبيل انعقاد قمة المناخ التي اختُتمت أعمالها الجمعة الماضية (6-18 نوفمبر الحالي) وجهت هذه القوى أدواتها لصناعة الفوضى، لتتحطم المؤامرة على صخرة وعي الشعب المصري بما يدور حوله من أحداث وحرصه المتواصل للحفاظ على الدولة الوطنية.
بعد فشل دعاة الفوضى فى تشويه وجه مصر أمام العالم خلال حدث عالمي ضخم (27COP) وإشادة كافة الزعماء والملوك ورؤساء الدول والحكومات بالتنظيم المصري للقمة والتحركات المصرية المتواصلة على مستوى رفيع لإنجاحها.
عادت من جديد تحركات قوى الشر مستهدفة مصر وفق منهجية استخدام ملفات الحريات وحقوق الإنسان وتدخل المؤسسة العسكرية فى الاقتصاد، وغيرها من الملفات التي تستخدمها القوى الدولية للضغط على الدول والحكومات للتدخل فى الشئون الداخلية لها وصولًا إلى المحطة الهدف «تفكيك الدول».
إنها محاولات التدخل المستمر من خلال «الأوراق الملوثة» وغير الدقيقة، فى ملفات ضرب استقرار الدولة الوطنية وصناعة الفوضى؛ مجموعة من المعارك المتتالية التي لم تنته بعد، بل تزداد ضراوتها كلما نجحت الدولة الوطنية فى تحقيق مزيد من الاستقرار وإفشال محاولات هدم الدولة.
عمليات ممنهجة ومدروسة وبدائل سريعة يتم الدفع بعناصرها بين الحين والآخر لعلها تصادف فترة، تكون فيها الدولة الوطنية تعاني من الترهل، وتصيب مؤسساتها حالة من الرخاوة واكتمال عملية تصدير الدولة الفاشلة.
فى التاسع من ديسمبر عام 1981 اعتُمد ونُشر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 36/103 بشأن إعلان عدم جواز التدخل بجميع أنواعه فى الشؤون الداخلية للدول، وجاء فى التمهيد، «إذ تؤكد من جديد الجمعية العامة، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، أنه لا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، ولأي سبب كان، فى الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى» لكن ذلك القرار لم يكن سوى مجرد رقم ضمن أرقام القرارات التي لا تلتزم بها القوى الدولية إلا وفق أولوياتها.
فالمجتمع الدولي لا يرى سوى بعين واحدة، والقوى الدولية الكبرى احترفت سياسة الكيل بمكاييل متعددة وليس مكيالين كما كان فى السابق، كل ذلك وفق مصالحها وعلى حساب الدول النامية التي تدفع فاتورة التلوث وآثار التغيرات المناخية رغم أنها لم تسهم بأكثر من 3% من حجم التلوث.
فالدول القوية أكثر قدرة للحفاظ على مقدراتها، وتنفيذ إرادتها.
خلال الأسبوع قبل الماضي ارتفعت بعض الأصوات محاولة التغطية على المشهد الذي أشاد به قادة العالم (قمة المناخ كوب 27) باستخدام عدد من أوراق اللعب الملوثة والمستخدمة ضد الدول، ومنها ورقة الحريات وحقوق الإنسان، وورقة تدخلات المؤسسة العسكرية فى الاقتصاد، وورقة المجتمع المدني.
ففي الوقت الذي شهد فيه جناحا بريطانيا وألمانيا الترويج لمحاولة الإفراج عن المتهم « علاء عبد الفتاح» تحت مزاعم الحفاظ على حقوق الانسان، والمطالبة بالعفو عنه، كان مركز مالكوم كير– كارنيجي للشرق الأوسط، يدفع بمدير تحريره مايكل يونغ ليكتب تقريرًا صحفيًا بصفته باحثًا فى مدونة «ديوان» التابعة للمركز، يستضيف فيه «يزيد الصايغ» الباحث الرئيسي للمركز، ويبني معلوماته فى التقرير على معلومات نشرها موقع «مدى مصر» الذي أسسه حسام بهجت، والممول من برنامج دعم الديمقراطية الذي يُدار من بروكسل.
حمل التقرير – الذي كان يدور حول الشركات التابعة لجهاز الخدمة الوطنية – فى طياته العديد من المغالطات حول تأثير تلك الشركات فى الاقتصاد الوطني فى محاولة مسمومة لتشويه مناخ الاستثمار فى مصر وتقديم صورة سلبية عنه.
كان المشهد المُدار يستهدف محاولة ضرب الثقة التي صنعتها القيادة المصرية مع دول العالم، وجاءت استجابة أكثر من 110 رؤساء وملوك ورؤساء حكومات لدعوة الرئيس السيسي لحضور القمة بمثابة ضربة لمن حاولوا تشويه المشهد، فكان التحرك بشأن الحديث عن ورقة الحريات وحقوق الإنسان، تلك الورقة الملوثة والتي تشوبها شوائب كثيرة تحاول بها بعض التنظيمات الاستقواء بالخارج، ثم انتقل الأمر إلى بعض الشخصيات الذين يصفون أنفسهم بالمدافعين عن حقوق الإنسان.
دعونا نتوقف عند ورقة (الحريات وحقوق الإنسان) قليلًا لنرى كيف يتعامل الغرب والقوى الكبرى مع ذلك الملف الذي يتخذون منه ذريعة للتدخل فى شؤون الدول، وما هي الخطوات المتَّبعة، خاصة أن ما ذكرته فى العدد الماضي حول تفاصيل ما حدث فى ندوة الجناح الألماني، ومحاولة الضغط على الدولة المصرية، للإفراج عن علاء عبدالفتاح المتهم بالتحريض على قتل ضباط الشرطة والجيش والتحريض على هدم مؤسسات الدولة وكذا التحريض على تكوين مجموعات مسلحة، الأمر الذي نتج عنه محاكمته وفق الإجراءات القانونية ومسار التقاضي وأصبح الحكم نهائيًّا.
حالة العويل الغربية على «علاء» باسم حقوق الإنسان لم نسمع بها عندما تم إلقاء القبض على أكثر من 2,000 شخص عام 2009 إثر تظاهرات أمام قمة الناتو، وتم محاكمتهم وإصدار أحكام ضدهم، بلغ عدد من هم دون العشرين عامًا أكثر من 600 شخص، وكان بين من تمت محاكمتهم أمام محكمة ستراسبوج 60 شخصًا اتُّهِموا بالتحريض على العنف وصدرت أيضًا ضدهم أحكام وصلت إلى 6 أشهر.
تكرر المشهد عام 2011 عقب أحداث لندن الشهيرة حيث أُلقى القبض على 3003 أشخاص وحوكم 1,297 شخصًا منهم، بينما ظل الباقون محبوسين احتياطيًا لمدة 5 أشهر قبل الإفراج عنهم، ولأول مرة تثبت البيانات معاقبة 100 شخص أقل من 25 عامًا بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة التحريض على الفوضى على Facebook وهو ما يشير إلى نهج أكثر عنفًا فى عقوبة المحرض.
لم يستنكر الغرب ومنظماته ما قامت به المحاكم البريطانية؛ ولم ينادوا بالإفراج عن المحكوم عليهم بتهمة التحريض والذين ضاعفت المحكمة العقوبة ضدهم أكثر من 10 أضعاف.
كما لم يختلف المشهد فى لندن كثيرًا عن باريس أو عن برلين أو عن نيويورك، ففي يناير من العام الماضي خلال أحداث الشغب واقتحام الكونجرس الأمريكي، جرى اعتقال 630 شخصًا، معظمهم من أربع ولايات أمريكية (بنسلفانيا، تكساس، فلوريدا، ونيويورك) وتم الحكم على المتهمين بعقوبة الاقتحام أو المحرضين على الشغب من خلال صفحات الفيس بوك أو أي من مواقع التواصل الاجتماعي.
جيمس بونيت – نيويورك – اُعتِقل فى 26 يناير 2021 لاتهامه بالتحريض على العنف والشغب والدعوة لتدمير أساس الكابيتول عبر صفحته الشخصية على Facebook، وحُكِم عليه بالحبس لمدة 3 سنوات.
أما لورين ريد، والبالغ من العمر 26 عامًا، من سكان ولاية أريزونا فهو يقضي عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي فى ذروة احتجاجات «Black Lives Matter» الأخيرة التي اجتاحت الولايات المتحدة.
لورين ريد، تم القبض عليه فى 2 يونيو، بعد أن قام مكتب التحقيقات الفيدرالي وإدارة شرطة بيج (PPD) بالتحقيق فى التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي العامة وفى دردشة جماعية خاصة تراقبها الشرطة؛ وجاءت التهمة «التهديد بإلحاق ضرر أو تدمير بشكل غير قانوني» بمبنى المحكمة؛ لم يكن ريد بالشخص الوحيد الذي تعرض للاعتقال بسبب تعليقاته على وسائل التواصل الاجتماعي خلال احتجاجات العدالة العرقية التي اجتاحت الولايات المتحدة العام قبل الماضي.
فى يوليو 2020 ، قُبض على إيبون إليس ، 25 عامًا ـ ولاية إنديانا ـ بعد أن نشر مقطع فيديو على موقع Facebook يهدد حياة الشرطة المحلية والمسؤولين المنتخبين، وهو يشير بيده كما لو كان مسدسًا ويسحب الزناد؛ حُكم على إليس بالسجن لمدة عامين وتقييم نفسي بعد أن أقر بأنه مذنب فى ثلاث تهم تتعلق بجناية التخويف.
صموئيل مارا، رجل أسود يُقال أنه اشتهر بدعم احتجاجات «Black Lives Matter» فى بوفالو، نيويورك، اعتُقل فى 11 يوليو واتُهم بالتهديد بقتل شخص له صلة بشائعات عن احتجاج مضاد عنصري خلال مقطع فيديو مباشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وحُكِم عليه بالسجن خمس سنوات كحد أقصى.
كل تلك العقوبات التي لحقت بالمحرضين فى الولايات المتحدة و باريس ولندن لم تجد مناداة بالحرية لمرتكبيها كما حدث مع المتهم علاء عبد الفتاح المحبوس على ذمة قضايا جنائية؛ إن ما تقوم به منظمات دولية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش يدل على أنهم لا تبحثون عن حقوق الإنسان بل يستهدفون التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، وهو ما لم ولن تقبله مصر.
إن ازدواجية المعايير لدى الغرب فى تعريف حرية التعبير، تدل على أن المشهد لا يستهدف الحفاظ على حقوق الإنسان ولكنه يستهدف العمل على تدمير الدول الوطنية؛ ففي الوقت الذي كان التحريض ب الولايات المتحدة الامريكية تهمة مضاعفة العقوبة، وكذا فى دول أخرى، سعت المنظمات الغربية إلى اعتبارها ضمن حرية التعبير فى المنطقة العربية.
شام البكور
الطفلة السورية « شام البكور» ابنة حلب، ذات السنوات السبع، التي فازت فى مسابقة تحدي القراءة العربية فى الوطن العربي، استطاعت أن تجمع قلوب كل المتابعين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي؛ أكدت تلك الطفلة التي ظهرت يعلو كتفيها علم سوريا أن الأوطان لا تموت أبدًا، بل تتعثر بعض الوقت ليعيد الشعب بناءها من جديد.
تحية لـ «شام» حلب الشهباء التي أثبتت أن المنحة تُولد من رحم المحنة وأن الأوطان تبنيها إرادة الشعوب.
نقلاً عن مجلة أكتوبر