صفوت عباس يكتب: تراب الميري .. تراب البيه
لعقود طويله استقر في وجدان المصريين عشق الوظيفه الحكوميه التي اسموها الوظيفه الميري واطلقوا لتدليلها وتعظيم اهميتها قولهم المتداول عبر الازمنه “ان فاتك الميري اتمرغ في ترابه” والذي له مدلول كبير لمفهوم (عايز حقي) وان اختلف عن مفهوم الحق الذي ورد في فيلم بنفس الاسم. وربما كانت الوظيفه العامه غير تعبيرها عن الدخل المنتظم الامن وتكفلها بالعلاج ومزايا اخري والاهم تامينها لمعاش يضمن علي الاقل الحد الادني من العيش لمن يتقاعد او لورثته من بعده والاكثر اهميه لدي الاغلبيه اكل ومرعي وقله صنعه علاوه، غير ان الوظيفه العامه كانت تشكل شيء من الابهه واداه من ادوات الوجاهه الاجتماعيه والقيمه والسيما خصوصا في بعض الوظائف مثل ضابط او مهندس او قاض او طبيب.. وفي القري البسيطه من مجاهل مصر قديما كان ناظر المدرسه وطبيب الوحده الصحيه ووكيل البوسطه ومفتش الري وضابط النقطه ومدير الزراعه كانوا راي وشوره الاهالي مع العمده وشيخ البلد واقطاعيو القريه او بقاياهم.
وفي فتره كان تكليف اي خريج مدرسه متوسطه او جامعه الزاميا تكدست دواوين الحكومه ومرافقها بجيوش من العاطلين فعليا المتقاضين لاجور وحوافز وبدلات ومزايا عمليا مما شكل عبئا ماليا تئن من وطئته الميزانيه العامه غير انه حمل موظفين للعمل بجهات لاتمت لتخصصهم الدراسي بصله وحدث هذا ايضا في شركات القطاع العام ومع اتجاه الدوله لتخفيف حده الضغط علي موازنتها ومع ميكنه الاعمال توقف التوظيف بصوره شبه نهائيه الي ان وصل لحد انهيار في الهياكل الوظيفيه لمصالح وانشطه حكوميه لحد يهدد افشال مهمتها وظهر جليا في انشطه كالتعليم..
موظفوا الدوله في ظل تمتعهم بفراغ وظيفي ورحرحه توجه اغلبهم لاعمال خاصه تمثلت في نشاط الزراعه بالقري الي اعمال تجاريه او خدميه مثل قياده وحيازه التاكسي في المدن غير المعلمون الذين كرسوا جهودهم لفتره مابعد الدوام للدروس الخصوصيه..
ونظرا لعدم التوظيف توجه الجميع مضطرين للعمل الخاص في اي مجال بدايه من عمال اليوميه في المعمار والزراعه للبسطاء ماليا والمقاولات والتجاره والنقل للمتيسر امرهم قليلا لكن الجميع يتحين اي فرصه للتوظف اشباعا للارث الثقافي المتوطن بالعقول عن الوظيفه ومع اعترافهم الان انها للستر وليس للغني ومع فقدان الوظائف العامه لبريقها لتدني رواتبها مقارنه بما تدره انشطه خاصه صعدت باصحابها للنجوميه في عالم الثراء لكن مازال الحلم بالوظيفه متوفرا. كما اثر نوع الوظائف المطلوب علي تغيير اهداف التعليم من (تعليم للتعليم) الي (تعليم للتوظف) فحدثت مطحنه الثانويه العامه بحثا عن كليات المجال الطبي التي لها تكليف عمل وفي فتره كانت كليات التجاره مطلوبه واخري كانت كليات التربيه بحثا عن تعليم يؤهل لوظيفه _هذا افرغ التعليم من مضمونه الفارغ اصلا_.
اذا كان التوظيف العام توقف واذا كان القطاع الخاص يقوم بدور فاعل ورئيسي في النشاط الاقتصادي فلماذا لا نفعل مبدا (احب ماتعمل حتي تعمل ماتحب) بجعل الوظيفه الخاصه جاذبه وبراقه ومشبعه ومؤمنه بتشريعات تضمن دوامها وكفايتها وحبها وجذب جيوش القوي العامله لتفضيلها عن الوظيفه العامه وتجعل التشدق بتراب البيه بدلا من التغني والاسف علي تراب الميري. الصحيح انها ستتطلب جد وجهد وتعلم ومثابره لانها بظروف تشغيل اشد واصعب من الوظيفه العامه لكنها قد تدر عوائد وفوائد اكثر منها.. المتامل لتنفيذ مشروعات التعمير والطرق وحياه كريمه علي الارض يجد انها تنفذ برجال مقاولي الانفار والمقاول من الباطن او باطن الباطن ولكنهم الاقل استفاده من مواردها وربما تبخس حقوقهم ببطن المقاول العام وربما لايجدون مأوي بعدها والحل العبقري هو تمكين العمال والمقاولين الاقل من العمل مباشره ووضع اليه لتشبيكهم وتعاونهم واتحادهم بما يمكنهم من التطور والنمو مع تامين غطاء تاميني لهم يضمن مواردهم عاجلا واجلا وينقلهم من اجراء لاصحاب اعمال ويجعلهم هم العامل وصاحب العمل ويضمن صب كل المخصص لاجور التنفيذ بجيوبهم ويحقق موارد ضريبيه جديده تدعم ميزانيه الدوله وفي الزراعه باي حال نجحت فكره مشروعات زراعيه لشباب الخريجين في تمكينهم ليصبحوا ملاك بدلا من اجراء ويحققون قيمه مضافه لهم وللدوله
فكره التوظف الخاص لو طبقت بشركات خاصه في التعليم مثلا ستضمن الجوده المفقوده في العمليه التعليميه وستضمن معلما مؤديا لواجبه في المدرسه بما يكفل نجاح العمليه لانه سيكون تحت تقييم لعمله ونتائجه والاسيستغني عن خدماته وعن خدمات الكيان المنتمي اليه لصالح من هو اكفأ منهما مع ضمان جوده ونزاهه تقييم من يقيم العمليه وهذا يمكن ان ينسحب علي الصحه والزراعه واداره انشطه حيويه بشركات القطاع العام وفي مجالات الخدمات والنقل وفي الزراعه التي يكفل جودتها ممارسها لانه المستفيد الاول.
هذا سيوصلنا لان يتحول كل من هم بسوق العمل الي بيه عامل او بيه في كيان بهوات يعملون لهم ولدي انفسهم ويرتفع تراب البيه عن تراب الميري
الشرط حمايه قانونيه تؤمن العامل لدي الغير والعامل لنفسه. مع الاعتذار للقب (بك) الذي تحول من مكرمه ملكيه للفظ دارج يمنحه الثراء او بعض الوظائف.