د. جمانة السرحان تكتب: من يصنع الفقاعات؟
أن تكونَ ناجحاً، محبوباً، معروفاً ،لا بل مشهوراً هي و اللهِ أمنياتٌ جميلةٌ يسعى لها الكثير، و ربما تكونُ احلاماً بعيدةً لا يبلغها إلا القليل . و ذلك لان تحقيقَ النجاحِ بحدِّ ذاتهِ ليسَ بالأمرِ السهلِ فكيفَ بالشهرةِ التي لا تُكتَسبُ إلا باكتسابِ العديدِ من المواهبِ و القدراتِ التي تجعلُ صاحبَها مميزاً في محيطهِ فيلمعُ نجمهُ و يعلو صيتُهُ .و في حقيقةِ الأمرِ هناك علاقةً وطيدةٌ بين النجاحِ و الشهرةِ منذُ الأزلِ.
إلا أنِّ هذهِ العلاقةَ الوثيقةَ قد ضعفتْ اواصِرُها و تغيرتْ ملامحُها حالُها كحالِ متغيراتِ الزمانِ .
فأَبتِ الشهرةُ أنْ لا تقتصرَ على النَّاجحين و المتميزين فقط بل تتجاوزهم أيضا إلى الأشخاص العاديين و حتى التافهين!
و لعلَّ كلمةَ السرِّ التي غيرت ملامحَ و قواعدَ هذهِ العلاقةِ المتينةِ هي وسائلُ الاتصالِ المرئيةِ بأنواعها وأهمها منصاتُ التواصلِ الاجتماعي التي حولت العالمَ الكبيرَ المترامي الأطرافِ إلى عالمٍ افتراضيٍّ واحدٍ تحكمهُ قواعدُ و قوانينُ جديدةٌ. .وواحدةٌ من أهمِ هذهِ القواعدِ هيَ قوانينُ الشهرةِ .فباتَ من غيرِ الضروري أن يكونَ احدُهم مميزاً او عالماَ في مجالهِ لكي يصبحَ مشهوراً بل يكفي أن يكونَ مختلفاً مثيراً للجدلِ جريئاً حتى و إن كان سخيفاً!
فأصبحَ عالمُنا يا سادة مليئاً بالفقاعاتِ الوهميةِ المليئةِ بأبطالٍ بِلا بطولاتٍ و نجومٍ بلِا توهجٍ .
و أصبحَ الحليمُ حيرانَ يسألُ اللهَ الثباتَ و عدمَ الفتنةِ و هوَ يرى مؤثرينَ بلا قيمةٍ
قدْ علَا شأنُهم و تضاعفتْ ثرواتُهم لمجردِ أنهم عرضوا حياتَهم الخاصةَ المليئةَ في كثيرٍ من الأحيانِ بالمبالغاتِ سواءً كانت هذهِ المبالغاتِ في التصرفاتِ او في طريقةِ الحياةِ الباذخةِ التي يستعرضونها
لإثارةِ الجدلِ و جلبِ الانتباهِ .
و لنا أنْ نسألَ هنا من المسؤولِ عن وجودِ هذهِ الظواهرِ الغريبةِ على مجتمعاتِنا المحافظةِ ؟ و من الذي يساهم في انتشارها ؟ طالما أنَّ الكثيرَ منَّا إنْ لمْ يكنْ معظمُنا ينتقدُها و يتبرأُ منها.
الجوابُ ببساطةٍ : معظمُنا مشتركون و مشجعون ابتداءً منَ المهتمين ووصولاً إلى المنتقدين .
فالمهتمينَ قدْ يجدون في متابعةِ هكذا مشاهير.ٍ قدوةً و حلماً سهلاً و هم يَرونَ إنساناً عادياً يُشبههم قد تحولَ في ليلةٍ و ضُحاها إلى مشهورٍ غنيٍّ.
و البعضُ الآخرُ من هؤلاءِ المهتمينَ قد يتقمصون شخصياتِ مشاهيرهم من خلالِ مُشاهدتهم اليومية ليعيشوا رفاهيةً في خيالِهم يعجزُ واقعُهم عن تحقيقها و هم يتابعون مشاهيرهم من غرفهم المتواضعةِ في بيوتهم البعيدة المتناثرة على قمة جبل او في مخيم كبير او ربما في جزيرة وحيدة.
أما أنصافُ المهتمين فهم يتابعون تارةً بدافعِ الفضولِ و تارةً اخرى قد يحتاج البعض منهم الى متابعة محتوى سهلٍ لا يحتاجُ إلى تفكيرٍ معَ قليلٍ من التسليةِ مما يجعلُ آلةَ الوقتِ المملةِ تمضي مسرعةً .
و إن كانَ هذا حالُ الداعمينَ و المشجعين فكيفَ للمتقدين أن يدعموا مشاهير اللا محتوى ؟
و لكن هذا يحدثُ بالفعلِ!
فتلكَ أمٌ أو ذلكَ أبٌ يريدان أن يتابعا ماذا يشاهدُ أبناؤهم.
و هذا عالمُ دينٍ يحتاجُ أن يشاهدَ هكذا محتوى ليعدَّ أدواتِ الوعظِ و الإرشادِ بلغةٍ سلسةٍ غيرِ بعيدةٍعن عقولِ الشبابِ.
و قد يكون هناكَ باحثٌ اجتماعيٌّ مكلفٌ بدراسةِ مثل هذه الظواهرِ الاجتماعيةِ .
ناهيكَ عن الفئةِ التي تحبُّ أن تواكبَ كلَّ ماحولها بدافعِ الفضولِ وحتى تصنفَ من ضمنِ الفئاتِ المطلعةِ على كلِّ ما يدورُ في محيطِها.
.و هكذا تعددتِ النوايا و لكنَّ المشاهداتِ واحدةٌ .مشاهداتٌ بالملايين يذهبُ ريعُها إلى حساباتِ هؤلاءِ المشاهيرِ مما يعززُ محتواهم و يساعدهم على الاستمرارِ ليصبحوا أكثرَنشاطاً و خبرةً في إثارةِ الجدلِ ضاربينَ بعرضِ الحائطِ اي انتقاداتٍ سلبيةِ قد توجهُ إليهم متهمين مُنتقديهم بالحقدِ و الغيرةِ و عدمِ التطورِ .
و أَعودُ إلى حيثُ بدأتُ إلى منصاتِ التواصلِ الاجتماعي التي أَهدت شهرةً سلبيةً لكثيرِ من مشاهيرِ اللا محتوى
و لكنها في المقابلِ قدمتْ أيضاً نماذجَ ايجابيةً مليئةً بالمعرفةِ و الفائدةِ مما سهلَ العلمَ و التعلمَ.. و إن كانت هذه الفئةِ من مشاهيرِ المحتوى المفيدِ هي الأقلُ حظاً في الشهرةِ و الإنتشارِ من سابقتها.، فهذا و اللهُ يعودُ إلى غزارةِ معرفتهم مما يجعلُ مادةَ محتواهم غنيةً ثقيلةً فتستقرُ عميقاً في محيطِ المعرفةِ تنتظرُ من يجدُها و يكتشفها بعكسِ الفقاعاتِ الفارغةِ التي تعلو إلى السّطحِ مهرولةً و لكنها سرعانَ ما تتحولُ إلى فقاعاتٍ كبيرةٍ تذهبُ أدراجَ الرياحِ.
و ختاماً و لأنه لا يصحُّ إِلا الصحيحُ فقد بشرنا الخالقُ سبحانه و تعالى بسرعةِ زوالِ الأمورِ التافهةِ التي لا تنفعُ الناسَ قائلاً في كتابهِ الكريمِ :(كذلكَ يضربُ اللهُ الحقَّ و الباطلَ فأمَّا الزبدُ فيذهبُ جفاءً و أمَّا ما ينفعُ النَّاسَ فيمكثُ في الأرضِ كذلكَ يضربُ اللهُ الأمثالَ ).
أَدعو اللهَ أن ينفعنا بعلمنا و أَن يعلمنا ما ينفعنا وأَن يرزقنا الحكمةَ و فصلَ الخطابِ،