د.إيمان إبراهيم تكتب:عمالة الأطفال في عصر الإنترنت
تعانى المجتمعات المختلفة في جميع انحاء العالم منذ القدم من انتشار عمالة الأطفال، والتي تقوم بعضها على تشغيل الأطفال واستخدامهم في بعض الأعمال، بهدف جلب النقود التي يجمعونها بأشكالٍ مختلفة، والتي تجرمها القوانين الدولية ومنظمات حماية الطفل المختلفة، لما فيها من إهدار لحقوق الطفل وحرمانه من الاستمتاع بطفولته بعيدًا عن أي نوع من أنواع العنف أو الإهانة المعنوية أو المادية مثل حرمانه من التعليم لضرورة تواجده في ميدان العمل…
ومع التقدم الهائل في عصر الانترنت بدأت عمالة الأطفال تتطور لتأخذ منحنى يختلف عن ذي قبل لتبدوا في ثوبها الجديد، الذى ربما يجعلها مقبولة لدى البعض ومغرية بالنسبة للطفل، وهى استخدام الأطفال في جلب الأموال من خلال الوسائط الرقمية المختلفة مثل “الفيس بوك، يوتيوب وتيك توك… وغيرها من الوسائط، عن طريق عرض بعض الفيديوهات المختلفة على أن يكون الطفل هو البطل الرئيس داخل الفيديو.
كل ذلك شيء لا مانع منه عندما يكون هناك محتوى هادف، يتناسب مع سن الطفل بحيث يجعله يستفيد ويُفيد الجمهور المستهدف لاسيما كان هذا الجمهور من الأطفال، وعندها نرحب جميعًا بذلك، ولكن الخطورة تكمن في بعض المحتويات المشينة التي ترفع من قيمة السلوكيات غير المقبولة، والتي من المفترض أن تعمل الأسرة وجميع الجهات المنوطة بحماية وتثقيف وتعليم الطفل على مناهضتها، ومن هذه السلوكيات أن يقوم الطفل بسب من يحاوره أو أن يتحاور بشكل متدنى مع الأب أو الأم أو من هو أكبر منه سنًا وغيرها من أشكال الحوار المرفوضة والتي نشاهدها داخل الفيديو، ويشار اليها بالتدني وفقًا لما نشأنا عليه في مجتمعاتنا المختلفة.
وبعدها تتوالى الضحكات من البعض كرد فعل على ما يقدمه الطفل مما يجعله في حالة من النشوة لفعله شيء مقبول بالنسبة للكثيرين، وبهذا تعلوا قيمة السلوك السلبى بالنسبة للطفل بل وجميع الأطفال الذين يشاهدونه، ومن هنا يمكنهم تقليد ما يشاهدونه عبر هذه الفيديوهات، وكل ذلك يزيد من ارتفاع نسب مشاهدة الفيديو ومن ثَمَّ زيادة الحصول على ربح مادى أعلى.
وعندها تكون النتيجة خاسرة للطفل كمقدم ومشاهد لهذه المحتويات الهابطة، لتتضاعف المخاطر نتيجة عمالة الأطفال عبر الإنترنت عن العمالة التقليدية للطفل، والتي كان يدفع ثمنها الطفل العامل بشكل فردى دون باقي الأطفال، ولكن في عصر الإنترنت الذى جعل العالم قرية صغيرة، أصبحت الدول بشكل عام وبعض الأسر بشكلٍ خاص تعانى من خطر عمالة الأطفال عبر الإنترنت.
والتي أسفرت عن تدنى منظومة القيم في المجتمع وتيه الهوية لاسيما الهوية العربية في ظل غياب الوعى الأسرى، لتعلوا السلوكيات السلبية وتتناسب طرديًا مع انتشار تلك العمالة غير المنضبطة، والتي تهدف للربح وتخلوا من أي قيمة أو سلوك إيجابي، وعندها يتخلى الطفل عن طفولته البريئة، لتضعه الأسرة دون أن تدرى في مهب الريح، لتعود تلك الأسرة ولو بعد حين لتشكو ما تعانيه والمجتمع من سلوكيات هؤلاء الأطفال عند نضوجهم، ونتجاهل أننا نحن الآباء والأمهات قد الفنا تلك السلوكيات بل وعودنا عليها ابنائنا منذ الصغر.
وبعد أن كنا نعانى من مخاطر استخدام الأطفال للإنترنت والبحث عن سُبل حمايتهم من هذا الاستخدام، أصبحنا نعانى من استخدامنا نحن للطفل في صناعة المحتوى الضار به، والذى نقدمه عبر الوسائط المختلفة، ليصبح الطفل شريك فاعل في هذه الصناعة التي تخترق الجدران دون استئذان، حتى أصبحت سلاح ذو حدين يهدد الأجيال القادمة ويُضيِّع منظومة القيم لديهم، في ظل إقرار السلطة الأبوية بهذه السلوكيات المنبوذة والتي تخالف العادات والتقاليد المحمودة التي تربينا عليها.
لنعود ونقول ما الذى حدث لهذه الأجيال، متناسين أننا نحن من فعلنا ذلك بأبنائنا وقدمناهم قربان، بهدف زيادة الدخل دون أن نخجل من ذلك لتصبح الغاية تبرر الوسيلة، وعندها ننقسم فيما بيننا ليعاني بعضنا من عدم قدرته على السيطرة على المحتوى الذى يشاهده أطفاله والبعض الآخر يروج للمحتويات الضارة بالأطفال واستخدامهم في تقديم هذه المحتويات، ليصبح ذلك هو الوجه الآخر لعمالة الأطفال في عصر الإنترنت!!.