مقالات الرأى

خالدإسماعيل يكتب: فى ذكرى رحيل “أم كلثوم” ..مطربة العرب الأولى

بين “أم كلثوم ” و”جماعة الإخوان ” الإرهابية ثأر قديم ،فهى من جنود عبدالناصر”الكافر عدو الله بفتاوى شيوخهم “، فهى التى أقامت حفلات فى عواصم عربية وخصصت عوائدها للمجهود الحربى ،بعد هزيمة “5يونيو1967″،وهى بهذا الموقف الوطنى ،كافرة ،لأنها دافعت عن “الوطن ” والوطن فى فلسفة “سيد قطب” وتلاميذه القتلة “حفنة من تراب ..” لا قيمة لها ،والجريمة الكبرى التى جعلتها كافرة فى نظرـ الإخوان ـ أنها غنت ،والغناء جريمة واتباع للشيطان ،وكان غناؤها لصالح جيش “الطاغية” عبدالناصر،ولهذا كانت سخرية “الشيخ كشك”ـ مهيج العامة والدهماء والصارخ فوق المنابر فى سبعينيات القرن الماضى ـ منها وتحقيره من شأنها ،ولكن ـ نحن العرب ـ نفخر بهذه السيدة المبدعة المخلصة لوطنها وثقافتها العربية ،ونعتبرها منحة سماوية ،للعرب فى القرن العشرين وكل القرون ،مادام هناك لسان عربى وأذن وذوق سليم يتلقى الفن ويعجب به ،وفى قصة حياة الفنانة الكبيرة الراحلة دروس ،منها أن الموهبة تحتاج العمل على رعايتها والاهتمام بها ،وهى منذ طفولتها استجابت لنداء الموهبة ،وحفظت ما كان مطلوبا من أخيها “الشيخ خالد” أن يحفظه من والده المنشد والموشح “الشيخ إبراهيم “،ولم يكن والدها يراهن على موهبتها ،لولا أن القاضى المثقف استمع صوتها فسحره واستولى على قلبه فقصد دار والدها فى قرية “طماى الزهايرة ” وأخبره بأن فى بيته “كنز” فظن الشيخ الطيب أن القاضى دجال يعمل فى نبش القبورالفرعونية ،وأنه سوف يرشده للذهب المكنوز فى بيته ،ولكن ماحدث هو أن الطفلة “أم كلثوم” كانت فى طريقها عائدة من المدرسة الأولية ،وانطلقت حنجرتها الذهبية بالغناء، وكان القاضى مارا بالمصادفة على ذات الطريق ، فأدهشه غناء الطفلة ،وقرر أن ينصح والدها برعايتها ،وبالفعل ،اصطحبها فى الليالى التى كان يحييها فى بيوت كبار القرية ،ومنحها فرصة الغناء للناس،وكان “أول مسرح ” تقف عليه “دكة خشبية ” فى بيت عمدة القرية “طماى الزهايرة”، وكان أول أجر لها تقاضته “طبق مهلبية”،وانطلقت ـ أم كلثوم ـ وغردت فى الكفوروالقرى والبنادر الصغيرة فى الدلتا ، وركبت الحمير، وركبت قطارات السكة الحديد ، وتحملت وقاحة الجمهور، وقسوة الجوع ، واشتهرت ،حتى هيأ لها القدر،رجال الموسيقى الكبار فى عصرها ، فاحتضنوها ووضعوا لها الألحان ،التى قدمتها لجماهيرمصركلها ،واستقرت فى القاهرة ضيفة على “آل عبدالرازق” ـ الصعايدة الأثرياءـ وهم الذين قدموها للطبقة الغنية ، فغنت فى القصور،واستمع صوتها الشعراء الكبار والنقاد والصحافيون ،وسطع نجمها فى عشرينيات القرن الماضى ،وظلت فى القمة حتى وقعت حرب فلسطين ،وتواصلت مع الضباط الأحرار الذين كانوا تحت الحصار فى فلسطين ، ولما نجح الضباط الأحرار فى طرد فاروق وإعلان الجمهورية ، تجاوبت أم كلثوم مع السياسة الجديدة ، لكن “سيد قطب” ـ الإرهابى المجرم ـ كتب فى الصحف آنذاك مطالبا بمنع أغنياتها باعتبارها من رموز العصرالملكى ،واستجاب موظف فى الإذاعة المصرية ،ومنع أغنياتها بالفعل ، لولا “عبد الناصر”، فهو الذى رفع هذا الحصار،وأمربإعادة “صوت أم كلثوم ” للجماهير،وطوال سنوات “القومية العربية ” كان صوتها حاضرا ،من المحيط إلى الخليج ،وفى كل موقف وطنى ومناسبة ،كانت دوما فى مقدمة الصفوف ، فغنت يوم تأميم قناة السويس ، وغنت للجيش المصرى ،قبل هزيمة “5يونيو1967″، وغنت لفلسطين ،وغنت يوم تنحى عبدالناصر،ولم تتخلف يوما عن معارك الوطن ،واستحقت الاهتمام الشعبى والأكاديمى وهى صاحبة “الحنجرة المعجزة”،الحنجرةالتى صنعت نجومية الشعراء والملحنين ،وفى “4فبراير1975″ودعت مصر،كوكب الشرق ومطربة العرب الأولى فى جنازة رسمية وشعبية ،وقرأ القرآن على روحها الكبارالشيوخ “عبدالباسط عبدالصمد ومصطفى إسماعيل ومحمودعلى البنا ” فى سرادق أقيم بقلب القاهرة بحضور”ممدوح سالم ” رئيس الوزراء، والوزراء وكبار رجال الدولة المصرية ،وخرج المصريون فى وداعها حتى مثواها الأخير،ومازال صوتها حيا ، ومازالت باقية فى قلوب العرب ،فهى ـ بحق ـ مطربة العرب الأولى ..

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"