مقالات الرأى

حازم عبده يكتب: من أمبالا إلى كمبالا

0:00

أخيراً سأصل إلى حيث وصل الخديو إسماعيل في أدغال أفريقيا لاستكشاف منابع النيل، أخيراً سأقف على بحيرة فيكتوريا أكبر بحيرة في أفريقيا وأكبر بحيرة استوائية وثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم بعد بحيرة سوبيريور بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، حيث تتمدد بحيرة فيكتوريا على مساحة 68 ألف كيلومتر مربع، أخيراً سأرى الأسود والنمور والأفيال خارج حدائق الحيوان في المحميات وفي الغابات، أخيراً سآكل الأننانس طازجاً في موطنه كما أو صاني صديقي السفير محمد نجم بأن أستمتع بالأنانس في أوغندا.
صعدت إلى طائرة الخطوط الإثيوبية من مدينة جدة السعودية إلى أديس أبابا في طريقي إلى مطار عنتيبي ومنها إلى العاصمة الأوغندية كامبالا بدعوة من الصديق الدكتور محمد البشاري الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، للمشاركة في أعمال المؤتمر الإقليمي لمجموعة دول شرق أفريقيا الذي نظمه المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بالتعاون مع المجلس الإسلامي الأوغندي بحضور حشد من السياسيين وعلماء الدين والباحثين من 100 مؤسسة إسلامية و27 دولة أفريقية، بحثاً عن تفعيل دور الشباب المسلم في البناء والتنمية في القارة الأفريقية.
كان رفيقي في الرحلة الصديق صالح المامي مدير تحرير وكالة الأنباء الموريتانية، هبطنا في مطار أديس أبابا، وهو مطار فقير جداً على الرغم من ضخامة الخطوط الإثيوبية التي باتت تدخل معظم المدن الأفريقية جنوب الصحراء، بل تتقاسم هذه المدن مع الخطوط التركية، المطار أشبه بمدرسة ابتدائية في قرية نائية، بعد نحو ساعتين من الانتظار صعدنا إلى الطائرة المتجهة إلى عنتيبي، وكانت المفاجأة الجميلة على الطائرة ودون ترتيب أن ألتقي أصدقائي الأستاذ محمد الأبنودي رئيس تحرير عقيدتي والأستاذ نزار العطيفي مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط والأستاذ إيهاب نافع نائب رئيس تحرير الجمهورية، أكملنا معاً الرحلة حتى مطار عنتيبي على حافة بحيرة فيكتوريا التي عبرنا مياهها بعد عبور المجال الجوي الكيني لنقطع طريقاً متعرجاً من بين فرث ودم بين قرى كادحة بالغة البؤس والفقر حتى وصلنا إلى كمبالا وما أدراك ما كمبالا.
هي المدينة الأكثر صخباً وضجيجاً في شرق القارة الأفريقية، تسنشق هواءً بكراً من غاباتها البديعة، وتشرب ماءً عذباً فراتاً من بحيرة فيكتوريا أم النيل الأبيض،تتناثر بنايات العاصمة الأوغندية كمبالا، قديمها وحديثها، كأنها كريات من الثلج تساقطت مع الأمطار على التلال السبعة الرئيسة التي تقع عليها المدينة، وغاباتها المكتظة بالسكان الكادحين ليل نهار، في هذه المدينة التي لا تنام من الليل إلا قليلا، يحبها زائرها ويألفها سريعاً على زحامها القاسي، وصعوبة التنقل فيها لضيق شوارعها وانسداد معظم شرايينها بفعل التلال والهضاب وسكانها المحشورين في شوارعها كل يعرف غايته على وسيلة التنقل الرئيسة وهي الدراجة النارية.
من أعلى كل تلة فيها يرى الزائر بقية أطرافها ولا يهدأ حتى يزور كل طرف ليقف على ما به من جمال وحياة، فهي مدينة آمنة لا يخشاها زائرها فيسير في شوارعها وغاباتها وأشجارها الاستوائية الكثيفة دون رهبة أو خوف فأهلها روحهم ندية كنداوة أمطارها الماتعة.
وقد اختار موتيسا الأول ملك إمبراطورية بوغندا منطقة بامبامبا منام التي سميَت لاحقاً بكامبالا كمنطقة الصيد المفضلة، وحين وصل البريطانيون إلى المنطقة أطلقوا عليها اسم “تلال الأمبالا” لانتشار حيوانات أبقار الأمبالا بكثافة فيها، وقد استعمل السكان الأصليون هذا المصطلح بلهجتهم الخاصة(اللوغندية) حيث تحولت الكلمة من الأمبالا إلى الكامبالا، وأصبح هذا هو الاسم الرسمي للمدينة فيما بعد.
هناك التقيت الدكتور روهاكانا روغوندا رئيس وزراء أوغندا والشيخ رمضان شعبان موباجي، المفتي العام ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى وحشد من علماء أفريقيا ومعظمهم لا يتحدث من اللغات الحية غير الإنجليزية أو الفرنسية وما أن يعرفوا أنني من مصر حتى ينطق لسانهم بالعربية جملة واحدة من كلمتين، كمن يحفظ القرآن ولا يتحدث العربية هذه الجملة هي ” أم الدنيا” نعم هي أم الدنيا، درة قارتها وزهرة أمتها، والتاج على رأس من يحمل جنسيتها، هي المنارة وهي قاطرة التحرر في القارة الأفريقية هي العز والفخر، هي “أم الدنيا”.

زر الذهاب إلى الأعلى