مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: كتابٌ له سِرّ

هو كتابُ الله الذي لا تنتهي نفحَاتُه، تَطْرَبُ لسماعِه مِن الأصواتِ الجميلة، لا يَسْأَمُ المؤمنُ أو يَمَلُّ مِن تَكرارِه، تسمعُ الآيةَ أو تقرؤها يومًا ما فتلامسُ قلبَك وتشعرُ أنك ما سمِعتَها وما قرأتَها قبلَ هذه اللحظة!!
تأمل معي _ على سبيل المثال _ الآية الأربعين في سورة ( فُصِّلت )، إذ يقول المولى _ عز وجل _: “أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ”؟!
الإجابة البديهية التي يختارها أيُّ عاقل: “مَن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ”
بعدها يقول عز مِن قائل: “اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ”!! يا الله!!! أنت تعرف الإجابةَ الصحيحة على السؤال المطروح إذن! لهذا اعملْ ما شِئتَ “إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ “.

أيُّ إعجازٍ في هذا الكتاب يجعل الصغيرَ يحفظُه كاملًا عن ظهر قلب وهو دون العاشرة وربما دون السابعة؟!! يحفظُ أكثرَ من 77 ألف كلمة، وهو لا يفهم معناها ولا يفهم نحوًا ولا صرفًا، لكنه لا يُخطئُ ولا يَلْحَنُ، بل ويتلوه مستمتعًا!!

أيُّ إعجازٍ في هذا الكتاب يجعلُ كفيفًا تَذكُرُ له اسم السورة ورقْم الآية فيتلوها على مسامعك، أو تتلو أنت الآية فيخبرك برقمها واسمَ السورة؟!

هو كتابُ الله الذي يُخاطبك ويُعرِّفُكَ بنفسِك ويُجيبُ على أسئلةٍ تدور في ذِهنك بحروفٍ وكلماتٍ تبدو مما يعرِفُه الشعراءُ والأدباء، لكنه يتحداهم وأربابَ الكلام وسدنةَ البلاغة، فيقف الجميع عاجزًا أمامه على مر العصور!! تقرأ فتسمع أحيانًا أوزانًا شِعريةً عربية مثلَ قوله تعالى: “إِن يَنتَهُوا / يُغْفَرْ لَهُم / مَّا قَدْ سَلَفَ” ( الأنفال _ 38 ) على وزن بحر الكامل، لكن ما هو بشعر، وما هو بكلام أيِّ أديب وإن كان هو الأريب!!

هو كتابٌ عنوانُه ( اِقرأْ )، وهي تعني: تفهَّمْ _ تفقَّهْ _ تدبَّرْ _ تعلَّمْ _ تتبَّعْ _ تنسَّكْ _ تعبَّدْ _ تحمَّلْ…. فـ “إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا” ( المُزَّمِّل _ 5 ).

هو مأدُبَةٌ (بضم الدال) صنعها اللهُ للنَّاسِ، ودعاهم إليها ليشهدُوا منافعَ لهم، وهو مأدَبَةٌ (بفتح الدال) منَ الأدب.
(إِنَّ هَذَا القُرْآنَ مَأْدُبَةُ الله فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
أيُّ فضلٍ يحوزُه مَن اجتمعوا لتلاوتِه ودراستِه؟!
(مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وحَفَّت بِهِمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ).

هو كتابُ الله الذي كلما نظرَ فيه العلماءُ تتواردُ إلى أذهانِهم معانٍ كثيرةٌ لا تنقضي، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَق؛ ذلك أنه كلامُ الله: “وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا”( النساء _ 87 )؟

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"