مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: حصلت البركة

هذه الجملة التي كنتُ أسمعها صغيرًا حين يأتينا ضيفٌ أو زائر _ على غير موعدٍ غالبًا كما هو المعتاد في بيوتنا بالريف في ذلك الزمان _، لم أكن أفهم معنى للترحيب بهذه الجملة، لماذا (حصلت البركة)؟! وما هي هذه البركة؟! وكيف تحدث؟! يا لها من عبارةٍ عجيبة قالها أهلُنا بالريف متعلمين أو غير متعلمين!! هل كانت ميراثًا من الكلام لم يفقهوا معناه، أم أنهم فقِهوا وفهِموا وكانوا وَاعِينَ بكلِّ حرفٍ في هذه الجملة؟! إنَّ العبارة تقال تيمنًا بزيارة الضيف؛ فزيارته سببٌ للخير والنماء والزيادة لأهل البيت، وهذه هي البركة، هم لا يُكلفون أنفسَهم، ولا يَعقدون جبينهم همًّا وعناءً ومشقة؛ فـ (الجود بالموجود)، يأكل مما يأكلون، ويشرب مما يشربون، إن أكلَ الضيفُ أكلَ أهلُ البيت، وإن شرِبَ شرِبُوا، وإنْ شيئًا أخذ، أخذوا معه الثواب، ويكفي أنه سيُدخِلُ السرورَ على أهل البيت!!

يتحسر بعضنا على أيام زمان فيقول: (كانت أيام كلها بركة، كانت المعيشة صعبة عن دلوقتي صحيح، لكن كان فيه خير، كان ربنا مِبَارِك، أصل كان فيه حُب وإرادة بين الناس، وضمير سليم، وكل واحد عنده حاجة بيهادي منها لجيرانه وقرايبه )!!! تلك أسبابُ البركة التي عاشها آباؤنا وأجدادنا، ببساطة ذكروا هذه الأسباب التي ما إن وُجِدت حلّت البركة، وإن فُقِدت انتُزِعت البركة!!

هناك أمكنةٌ مباركة كالحرمين الشريفين والمسجد الأقصى، وأزمنةٌ مباركة كليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، ويوم عرفة في العشر الأوائل من ذي الحجة، وهناك أيضًا (أشخاص بركة)، إذ كان أهلونا يَصفون بعضَ الناس بأنهم بركة، ولستُ أدعو للتبرك بأحدٍ من الناس إلا أن يكون اقتداءً بصلاحه، لكني أفهم _ كما رأيتُ _ أن أغلبَ هؤلاء من ضعاف العقول الذين هم غيرُ مكلفين، إذ يبدو لأهلنا بالفطرة أن الشخصَ الذي لا ذنوبَ له يكون كله بركة. العلاقةُ عكسيةٌ إذن بين الذنوب والبركة، فكلما قلت الذنوب زادت البركة.

في البركة منافعُ كثيرة، بها تونق الحياةُ وتصفو، وتزدهرُ النفوسُ وتعلو، ويفوزُ الناسُ في الدارين. في الجماعة بركة، والحركة بركة، والتجمع على طعام يُحْدِثُ البركة، وفي السحور بركة، وفي خدمة كبارنا والعنايةِ بهم بركة، ويقول الحِسُّ الشعبي حين يكون السؤال عن كبير السن أب أو أم أو غيره: (إحنا عايشين ببركتهم). البركة من الله، وما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، فانتبه للبركة التي لا تُقدر بثمن!!

كان أحدُ الصالحين يدعو: اللهم بارك لي في رزقي، فسُئِل: لِمَ لمْ تقل: اللهم ارزقني؟!
فقال: إن الله ضمِنَ الرزقَ لكل حيٍّ من خَلقه، ولكني أسأله البركةَ في الرزق؛ فهي جندٌ من جنود الله، يُرسلها لمن يشاء، فإذا حلّت في المال كثّرته، وفي الولد أصلحته، وفي الجسم قوّته، وفي الوقت عمّرته، وفي القلب أسعدته. فاللهم ارزقنا البركةَ في كل شيء.

زر الذهاب إلى الأعلى