امجد مصطفى يكتب عن “بليغ” و “خليل” و استنساخ “حليم”.. و كتابة التاريخ
*رصد التاريخ الفنى لأى امة او شعب او حتى مجتمع صغير او كبير ،لابد ان يكون بشكل به أمانة فنية،لان هذه المعلومات سوف يستقبلها ناس ربما ليس لديهم دراية بما دار فى الماضى و عدم معرفة بتاريخنا الفنى غناء و سينما و مسرح ودراما،وبالتالى رصد التاريخ لا يجب ان يكون وجهة نظر،لديك معلومة مؤكده اخرج للناس بها،اما ان ترصد التاريخ طبقا لوجهة نظرك فهذا امر يعنى انك تحرف و التاريخ ،وعندما ترصد لا تحكم على التجربة، الا اذا كنت ملم بكل الافرع المختلفة ،لكن ان تخرج للناس تؤرخ بوجهة نظر،التاريخ ليس وجهة نظر.
منذ ايام اهدانى احد الاصدقاء فيديو لاثنين من العاملين فى اعلام السوشيال ميديا،تناولا فيه مرحلة معينه من تاريخ مصر الغنائى وهى مرحلة ما بعد عبد الحليم حافظ و ام كلثوم،وتناولا الثنائى تجربة جيل الوسط فى بداية الفيديو،واذا بهما يصفان
تجربة هانى شاكر، وعلى الحجار و محمد الحلو ومحمد ثروت لم تكن تجربة اصيلة،
مؤكدين مع موت حليم و ام كلثوم حدث حالة فراغ فى الاغنية المصرية،و ظهر جيل جديد ضمن المشروع الذى حاول بليغ حمدى فيه أستنساخ تجربة عبد الحليم فى اصوات على الاحجار و هانى شاكر و محمد ثروت ومحمد الحلو،و قالا انها كانت تجارب ليست اصيلة ، لانه صنع نسخة من مشروع ناجح قبل هذا آلا وهو مشروع حليم ،و واصلا كان الاستثناء على الحجار لانه دعم من المثقفين الناس ، و واصلا كلامهما ان هانى شاكر مشكلته التى حاول تصديرها للناس ان عبد الحليم كان يحاربه،واكدا هذه المشاريع لم تقدم اغنية بارزة باستثناء على الحجار .
و قالا ان بليغ حمدى كان يريد ان يصنع من محمد منير عبد الحليم آخر وهذه كانت المشكلة ،و ان بليغ حمدى كان يرى منير بشكل خاطئ .هذا جزء من الفيديو او البرنامج .و هنا لى رد بسيط لو ان مشروع الحجار و الحلو وهانى وثروت غير اصيل هل كان هذ الجيل سيستمر حتى الأن ،و لو قلنا بحسبة بسيطة ان هذا الجيل ظهر فى منتصف السبعينات و مازال حتى الان موجود ، فهذا معناه انه اكثر الاجيال استمرارا ،لانهم ساروا نجوم لقرابة النصف قرن،و مازال عطائهم موجود متعهم الله بالصحة جميعا،انظر لحفلات الحجار و هانى و الحلو فى الاوبرا مثلا ستجدها كاملة العدد، ناهيك عن نوعية الاغانى التى تم تقديمها من خلال اصوات هذا الجيل،هذه نقطة اما النقطة الاخرى التى تثير الدهشة وهى ان بليغ حمدى اراد استنساخ عبد الحليم اخر بهذه الاصوات،يا عمنا انت وهو، هل استمعتما الى اول عمل لحنه بليغ للحجار؟ وهو اغنية على قد ما حبينا،و هل استمعتما الى لحن لما انت ناوى ع السفر ،ما علاقة هذا الاداء الغنائى بعبد الحليم،صوت الحجار من الصعب أن نستنسخ به صوت حليم كما أن طبيعة غناء الحجار لا تشبه احد و اختياره فى الاغانى لا يشبه احد، لو ذهبنا الى الحلو هو نموذج للمطرب الذى لا تخطؤه اذن، وله تجارب لا علاقة لها بمدرسة حليم.ثم ان بليغ الذى جدد شباب اغانى ام كلثوم و قدم مئات الألحان لمئات الأصوات هل من الممكن أن يخطئ فى تصنيف منير،كيف ومنير غنى له اشكى لمين واحكى لمين،و بالمناسبة هذه الاغنية لحنها بليغ لمحمد الحلو و هناك فيديو كليب للاغنية بصوت الحلو،وعندما طلب الفنان الكبير يحيى خليل من بليغ الاغنية لمنير لم يرفض بعد ان تم استئذان محمد الحلو الذى رحب بالامر.
اما الكلام عن الذين ادخلوا التوزيع الموسيقى و الهارمونى الى الموسيقى العربية فهناك ناس سبقوا الموسيقار الكبير هانى شنودة فى ذلك فهو ليس أول شخص يفعل ذلك ،ومسألة ان هانى من ادخل التوزيع الموسيقى و الخطوط اللحنية على الموسيقى العربية فهو نكران لدور على اسماعيل واندريا رايدر و فؤاد الظاهرى و ابراهيم حجاج و كذلك الرحبانية، وهناك ايضا عبد الحليم نويرة و حسين جنيد و سامى نصير هؤلاء اعادوا صياغة بعض الاعمال من تراثنا.
الشق الاخر من الفيديو متعلق بقيمة فنية كبيرة احدثت ثورة جديدة فى الأغنية المصرية،وهو الفنان يحيى خليل الذى عاد من أمريكا منتصف سبعينات القرن الماضى يحمل بداخله أفكار و ثقافة موسيقية جديدة نتيجة تراكمات الاحتكاك بمدارس عالمية عاشها خلال وجودة هناك،و عندما عاد قرر أن وجوده فى مصر ميلاد جديد لشكل موسيقى جديد، لم يكن هذا الجديد فقط فى الموسيقى وشكلها وقوالبها ،لكن حتى على صعيد الحفلات ،يحيى جعل جمهور الحفلات لا يشعر بأى فارق بين ما يسمعه فى الكاسيت و بين ما يقدمه فى الحفلات الحيه،كما انه ادخل على صناعة الموسيقى ككل فكر جديد.
نظلم الفنان الكبير يحيى خليل عندما نختزل تجربته الموسيقية فى كونه مؤسس فرقة لموسيقى الجاز أو كونه عازفا للدرامز أو موزعا ومؤلف موسيقى، لأن يحيى خليل مؤسسة موسيقية قائمة بذاتها، وحتى نكون أكثر إنصافا لتجربته أو لمشروعه الموسيقى علينا عندما نؤرخ للساحة الموسيقية المصرية والعربية، وأن نضع يحيى خليل فى بؤرة الاهتمام لأن الأغنية قبله كانت شيئا وبعده شئيا آخر، فهو أول من وضع تصورا للتمرد على الأغنية الطربية وطابعها الكلاسيكى الذى كان يعتمد على مضمون عاطفى يقوم على الهجر والعذاب فى الحب، مع موسيقى ذات طابع كلاسيكى عبر جمل طربية ومقامات شديدة الشرقية تنفذها فرقة كبيرة، وبعد يحيى خليل الأمر اختلف تماما فأصبحت المفردات خارج التوقعات لها شكل ومضمون ومعنى مختلف واللحن مزج بين الشرقى والغربى، فيما يعتمد التنفيذ على فرقة صغيرة أقرب إلى الباند الغربى، تكون الغلبة فية لآلات مثل الجيتار والدرامز والأورج إلى جانب ما اصطحبه معه من أمريكا من آلات تستخدم فى استوديوهات تسجيل الصوت لأول مرة فى مصر.
اختار يحيى خليل فى تجربته أيضا أن يكون هناك شكل جديد للمغنى المصاحب للفرقة، فقبله كان النموذج هو عبدالحليم حافظ، ومعه أصبح النموذج هو محمد منير، الذى يرتدى الحينز و التيشرت، وهو ما فتح الباب امام كثير من الاصوات التى كانت تريد خوض تجربة الغناء لكنها كانت تخشى من الأسس التقليدية المفروضة على الوسط الغنائى.. وهذا كله يعنى أننا أمام مؤسسة موسيقية فنية بها مفردات خاصة جدا.للاسف فى هذا الفيديو تم اغفال دور يحيى خليل و اكتفوا بقولهم انه صاحب مشروع ألبوم شبابيك،لم يتحدث الثنائى عن التحديات التى واجهها خليل ليصل بالاغنية إلى شكل جديد تماما،اغفلوا عن عمد او عن عدم درايه انه اول من اهدى هانى شنودة جهاز كيبورد يصدر صوت الكمان،وهو أحدث نقلة كبيرة فى عالم الموسيقى لانه يمنحك الاحساس بأن هناك اوركسترا من عازفى الكمان،اقفلوا أيضا ان يحيى خليل صاحب فكرة فرقة المصريين،لأنه عندما عاد من امريكا اراد ان يكون فرقة تحمل اسم ايجشبن Egyptian و لكنه تنازل عن الفكرة لصديقة هانى شنودة.
تأثير يحيى خليل كان واضح وضوح الشمس فى عالم الموسيقى المصرية سواء فى مشروع محمد منير او غيره.
يحيى خليل هو 60 سنة من الاحتراف و الاحترافية الموسيقية، و 40 سنة على انطلاق مشروعة الغنائى فى مصر حيث انه عاد من امريكا عام 1979 ليبدأ الحلم.
عاد يحيى خليل إلى أرض وطنه فى عام 1979، وكون فرقته الموسيقية الجديدة، كانت بمثابة إحياء لحلمه القديم الذى كان قد بدأ قبل السفر لأمريكا عندما كوّن فرقة خاصة به وعمرة 14 سنة، وكونت الفرقة الجديدة التى قال عنها بعض النقاد الموسيقيين انها كانت تمثل آنذاك «أفضل خليط» من المواهب الموسيقية التى تجتمع معا لأول مرة فى عمل مشترك، ومنها عمر خورشيد وعزت أبوعوف وفتحى سلامة وشاركهم بالعزف الفنان عمر خيرت كضيف شرف.
يحيى خليل يعتبر اول من عمل ايضا مخرج موسيقى وصانع للنجوم.
وتوج خليل مشروعة الفنى بالمزج بين موسيقى الجاز ذات الأصول الأفريقية و الموسيقى العربية فى تناغم أذهل العالم.