أحمد فرغلي رصوان يكتب : أبوزعبل٨٩ ..صفحة جديدة مع الرقابة ؟!
كان مشهدا لافتا وغير معهود أن يضاف عرضا تلو الآخر غير مدرج في برمجة المهرجان لفيلم داخل فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي عبر تاريخه الطويل، هذا ما حدث مع الفيلم المصري الوثائقي “أبو زعبل٨٩” اخراج بسام مرتضى، حالة حفاوة وسعادة بالفيلم تابعتها عن قرب من جمهور المهرجان قبل أن أشاهده في العرض الخامس والأخير عقب انتهاء المهرجان وجميع العروض رفعت لافتة “كامل العدد”.
في تقديري هي حالة الصدق الشديدة والجرأة الغير معهودة التي ظهرت في سيناريو أحداث الفيلم الوثائقي والذي يكشف فترة بالغة الحساسية من تاريخ مصر الحديث فترة حراك سياسي للطلاب والعمال واليسار المصري قابلها نظام الرئيس الأسبق مبارك بقبضة حديدية!
الشباب من جمهور المهرجان كان مشدودا داخل قاعة العرض وعيونهم معلقة تجاه الشاشة لا تسمع الأنفاس! وأغلبهم غير مصدقين ما يشاهدوا أو يسمعوا وأحيانا تجد همساتهم “كيف مر هذا الفيلم” ونشاهده الآن هكذا ! وتساؤلات أخرى عن بطل الفيلم ورفاقه وكيف تحملوا التعذيب داخل السجون وإصرارهم على الاستمرار في نضالهم!
الفيلم يروي ذكريات أليمة من خلال بطل الأحداث محمود مرتضى أحد قيادات اليسار المصري في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وذكرياته مع مظاهرات 1977 وإضراب واعتصام عمال الحديد والصلب عام 1989 وتدخل الشرطة لفض الاعتصام بالقوة حيث استخدمت الرصاص الحي مما أدى لإصابة العشرات ومقتل العامل عبدالحي السيد حسن ( أيقونة الحركة العمالية) وهي السنة الفارقة لدى محمود مرتضى وعائلته الصغيرة الزوجة فردوس البهنسي والابن بسام والذي انطلقت روايته لأحداث الفيلم من خلال “حبسة 1989” وما حدث فيها وأثرها النفسي والاجتماعي على العائلة، بعد اعتقال الأب وعدد من العمال بلغ عددهم نحو 600 عقب فض الاعتصام ، وبعدها قرر زكي بدر وزير الداخلية اعتقال نحو 50 كاتبا ومهندسا ونقابيا من الذين تعاطفوا مع العمال على رأسهم دكتور محمد السيد سعيد.
نجح المخرج بسام مرتضى في صناعة سيناريو مشوق ما بين الواقع وروايات من عاصروا الأحداث ، لاختيار أماكن مناسبة جدا أو مشاهد فلاش باك ،كذلك نجح في تصوير مشاهد التعذيب بشكل فني متميز يصل معه المعنى دون مشاهد تعذيب مباشرة وبشريط صوت معبر جدا، أثار الكثير من المشاعر الإنسانية لدى الجمهور.
حضور الأم فردوس البهنسي وروايتها عن تلك الفترة كان من أكثر الأجزاء المؤثرة في الفيلم، هي نموذج للمرأة المصرية المثقفة الواعية والمؤمنة بقضية زوجها وضرورة دعمه مهما حدث.
الاستعانة ببعض رفقاء السجن والنضال لمحمود مرتضي كان جيدا ، وكان ممكن إتاحة مزيد من الوقت لهم للحكي أكثر عن تلك الفترة خاصة الفنان سيد رجب.
ممكن اعتبار الاحتفاء بالفيلم من جمهور أغلبه لم يعاصر تلك الفترة هو رد اعتبار لجيل مناضل ضحى بحريته وكاد أن يدفع حياته ثمنا من أجل قضايا عادلة عن حقوق العمال وأشياء أخرى، الفيلم تحية وتقدير للطبقة العاملة والحركة العمالية ومناضليها.
السؤال الآن الذي يسأله الجميع هل نشاهد الفيلم في عروض أخرى جماهيرية تجارية في دور العرض ؟! ويكون بمثابة صفحة جديدة بين الرقابة وصناع السينما ، أم العروض تظل مقتصرة على المهرجانات فقط ؟
لدي يقين أن السينما مثل الماء والهواء للشعب المصري هي صناعة متأصلة ولن تنضب مواهبها، بدون مبالغة السينما المصرية على قدم المساواة مع أهم دول العالم في الصناعة، أحيانا تمرض ولكن بلا شك هي مستمرة بمواهبها الجديدة.