مقالات الرأى

رأفت السويركي يكتب: “نخبة القرود”… وأسود كوبري “قصر النيل”!

كلما عبرت مرورا كوبري قصر النيل ذهابا أو عودة يسعدني مطالعة الأسود الأربعة الرابضة في مدخل الكوبري. فهذه الأسود من علامات القاهرة القديمة التي لا تغيب عن أبصار العابرين.

وخلال الفترة الماضية تحولت هذه الأسود إلى مادة سوداء الخطاب في فضاءات فيسبوك و( X) تويتر بوساطة النخبة المصرية المتعفنة القلوب؛ والتي لا وظيفة لها في القضايا الوطنية غير تشويه الجهود الرسمية لأجهزة الدولة المصرية؛ ليس حرصا على قضايا مجال الاهتمام؛ ولكن ممارسة التشويه والتحريض والتأليب للوجدان الشعبوي غير المتفكر فيما يتم ترويجه عبر وسائط التواصل الاجتماعوي.

هذه النخبة المتعفنة العقول تذكرني دوما بمسلكية القرود وهي لا تستقر على وضعية ما؛ بل تقفز من فرع شجرة إلى فرع آخر ببهلوانية مثيرة للضحك والسخرية من مسلكيتها القرودية. فهي في الفضاء الافتراضوي تقفز من قضية إلى أخرى بسرعة القرود مشايعة لمغريات “الترند”.

فمن موضوع ميليشيات جماعات حاء ( حسن الساعاتي البناء وحماس) وتدمير غزة والجنوب اللبناني بسبب متوهم “الطوفان الحماسرائيلي” إلى موضوع هدم بعض القباب للأضرحة؛ ثم تشويه جهود صيانة وإعادة البريق لأسود كوبري قصر النيل، و…و… إلخ.

نخبة القرود التي تفتي بجهالة في كل قضية؛ وكأن كلا منهم يعتبر خبيرا في الذرة والفيمتو والنانو وهو أجهل ما يكون؛ إذ كالعادة اعتاد ألا يبحث عن المعلومات الموثوقة حول القضايا التي يهتم بها؛ قبل أن يتشدق بالثغاء الدال على الغباء السياسوي الذي يتميز به.

نخبة القرود جعلت من موضوع صيانة أسود قصر النيل تريندا؛ بتداول الأكاذيب عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأن وزارة السياحة والآثار ممثلة في المجلس الأعلى للآثار قامت بطلاء تماثيل أسود كوبري قصر النيل باللون الأسود أثناء أعمال الصيانة التي يتم تنفيذها بها حالياً.

وقد اعتمدت نخبة القرود على ما تسرعت “نقابة التشكيليين” المصريين به من بيان أصدرته قبل أن تتقصى المعلومات من الجهات الحكومية المسؤولة؛ والتي أشارت خلاله: ( إلى أنه لوحظ استخدام ـ الرولةـ فى طلاء تماثيل قصر النيل البرونزية، وهو ما يعد خطأ كبيرًا وأمرًا مخالفًا للقواعد العلمية والفنية، مما أفقد التماثيل قيمتها وطمس (الباتينا) اللونية الأصلية للبرونز لأعمال ذات قيمة فنية وتاريخية كبيرة وصيانتها لا تتم بالطرق التقليدية، ودون استعمال ورنيشات ومواد ملمعة أفسدت العمل على المستويين البصرى والتقنى.)

*****

ولم يكن أمام الدكتور جمال مصطفى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للأثار – كما نشر في الإعلام – غير وصف ما يتم تداوله: (بأنه عار تماماً من الصحة، وأن تماثيل أسود كوبري قصر النيل ليست في عداد الآثار المُسجلة، وأن أعمال التنظيف والصيانة التي يقوم المجلس بتنفيذها بها حالياً تأتي في إطار التعاون مع محافظة القاهرة ورغبتها في الاستعانة بالخبرات الموجودة بالمجلس في مجال الترميم لتنظيف وصيانة التماثيل الموجودة بالميادين والحدائق العامة بالمحافظة، بهدف إظهار هذه الميادين بالشكل اللائق وإضفاء الشكل الحضاري والجمالي عليها).

وقد أكد الدكتور جمال مصطفى: ( أن أعمال التنظيف والصيانة التي يقوم بها فريق العمل من مرممي المجلس تتم بدقة وحرص شديد ووفقاً للقواعد العلمية والفنية المُتبعة والمُتعارف عليها، حيث أن هذه التماثيل ذات قيمة فنية وتاريخية عظيمة فهي جزء من تراث مصر الحضاري والثقافي والتاريخي. وأن أعمال تنظيف هذه التماثيل اقتصرت فقط على إزالة الأتربة والاتساخات الملتصقة وغازات التلوث الجوي فقط، بالإضافة إلى وضع طبقة عزل شفافة لحماية التماثيل من العوامل الجوية من أشعة الشمس والأتربة والهواء ومياه الأمطار، ولم يتم إطلاقاً استعمال ورنيش أو أي مواد ملونة أو ملمعة أدت إلى تغير لونها كما أُشيع).

مضيفا: (أن هذه المرة ليست الأولى التي يقوم فيها المجلس بأعمال التنظيف والصيانة لهذه التماثيل، فمنذ العام 2021 م يقوم المجلس بصيانتها بنفس الطريقة والأساليب العلمية الدقيقة).

*****
إن نخبة القرود التي تستغل الفضاء الافتراضوي في بث العته الذي يسيطر عليها؛ مستهدفة تسميم العقل الشعبوي واستثارته؛ مهما تكشفت الحقائق أمامها فلا يمكن أن تعترف بغوغائيتها أو تفكر بموضوعية؛ ولكنها تستمتع بممارسة مسلكية القرود بالقفز ما بين أفرع شجرة الأحداث المتتابعة لتمارس بهلوانياتها. وهكذا هي حكاية “نخبة القرود”… وأسود كوبري “قصر النيل”!

زر الذهاب إلى الأعلى