حازم البهواشي يكتب: نظراتٌ في حياةِ نبي الإنسانية
حين يَعُمُّ الظلامُ يشتاقُ الناسُ للنور، وحين تسودُ الغِلظة يشتاق الناسُ للرحمةِ واللطفِ والرأفة. ولما كانت الفترةُ بين سيدنا المسيح وسيدنا محمد _ عليهما السلام _ نحوَ ستمائة عام، فقد انطفأتْ فيها كثيرٌ من مصابيح الهداية حتى عمَّ ظلامُ الجهل، فكان مولدُ نبينا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ إيذانًا ببَدْءِ مرحلةٍ جديدة يَخرجُ فيها الناسُ من الظلماتِ إلى النور، وتتصلُ الأرضُ بالسماء بواسطة رسولٍ بُعِث للناسِ كافة، بُعِث ليُتممَ مكارِمَ الأخلاق، بُعِث رحمةً للعالمين، فتحطَّمتْ على يديه أصنامُ الأنا والنرجسية والعنجهية والكِبْر والعُجب بالذات والأفضليةِ القائمةِ على غير العمل، على الجنس أو اللون أو الغِنى أو المكانةِ الاجتماعية، فكان كلُّ ذلك أباطيلَ ودعاوى جاهلية.
تأمل معي قولَ نبينا: (مَن قالَ حينَ يُصبِحُ: اللهمَّ ما أصبحَ بي من نِعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِك فمنكَ وحدَك، لا شريكَ لَك، فلَك الحمدُ ولَك الشُّكرُ، فقد أدَّى شُكرَ يومِه، ومن قالَ مثلَ ذلِك حينَ يُمسي، فقد أدَّى شُكرَ ليلتِه)!! ولعلك تتساءل: أنْ أشكرَ اللهَ على نعمةٍ أنعمَ بها عليَّ فهذا أمرٌ طبيعي لا يتوقف عنده عقلُ المؤمن، لكنَّ السؤال: لماذا أشكرُ اللهَ على نعمةٍ أنعمَ بها على أيٍّ من خَلْقِه (أو بأحدٍ من خلقك)؟! هذه هي إنسانيةُ نبي الرحمة، وهذا أيضًا أمرٌ طبيعي إن كان اِتِّبَاعُنا له صادقًا!! فهو يريدك أن تشعرَ بالآخر حتى إنك تشكرُ اللهَ وتُثني عليه لأنه أنعمَ على أيٍّ من بني البشر، فتفرح بالنعمة لدى أخيك الإنسان بل وتشكر اللهَ عليها، فأنت ينبغي أن تحب له ما تحب لنفسك!!
ويروي عبدُ الله بن مسعود: (كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سفر، فانطلق لحاجتِه، فرأينا حُــمـَّـرةً (نوع من العصافير) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمَّرة فجعلت تُفَرِّشُ (تُرفرف بجناحيها)، فجاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: مَن فجعَ هذه بولدها؟! رُدُّوا ولدَها إليها. ورأى قريةَ نمل قد حرَّقناها فقال: مَن حَرَّقَ هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يُعَذِّبَ بالنار إلا ربُّ النار). إن الإنسانيةَ في أعلى صورها يَشَمُّ القارئُ رائحتَها مِن كلامِه _ صلى الله عليه وسلم _؛ فهو يرفضُ أن يُرَوَّعَ طائرٌ ويُفزَّع، ويَنْهَى نهيًا قاطعًا صريحًا أن يُعذِّبَ الإنسانُ أيَّ رُوحٍ سواءٌ كان التفزيعُ نفسيًّا أو جسديًّا!!
حتى في الشريعة والعبادة تتجلَّى إنسانيتُه في اختيارِه الأيسرَ والأسهلَ دائمًا، فعن عائشة قالت: (ما خُيِّرَ رسولُ الله _ صلى الله عليه وسلم _ بين أمرين إلا اختار أيسرَهما، ما لم يكن إثمًا…)، وعن أنس بن مالك _ رضي الله عنه _ قال: (دخل رسولُ الله _ صلى الله عليه وسلم _ المسجدَ، فإذا حبلٌ ممدودٌ بين الساريتَينِ، فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبلٌ لزينبَ، فإذا فَتَرَتْ (أي في الصلاة) تعلَّقتْ (بالحبل حتى تستطيع أن تُكمِل صلاتها)، فقال النبي _ صلى الله عليه وسلم _: لا، حُلُّوه (أي حُلُّوا الحبل)، ليُصَلِّ أحدُكم نشاطَه، فإذا فَتَرَ فليقعُدْ).
كان عليه السلام يُسامر زوجاتِه، ويُراعي مشاعرَهن، ويُساعدهن في شؤون المنزل، وكان من هَدْيِه التبسمُ في وجوه الجميع، رغم إنك إن تأملتَ سيرتَه ما وجدتَ على وجه البسيطة من هو أثقلُ حِمْلًا منه _ صلى الله عليه وسلم _!! لكنَّ الواقعَ العملي لإنسانية النبي، يشهد أنه _ صلى الله عليه وسلم _ على خُلُقٍ عظيم، وهو رحمةٌ أهداها ربُّ البرية للبشرية، لذلك فإننا نشكر الله على نعمة ميلاد نبينا محمد _ صلى الله عليه وسلم _، ونشكره _ سبحانه _ على نعمة أننا من أتباعه.